ذِكْرُ حكم رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فى الرضاعة وما يحرم بها، وما لا يحرم، وحُكمه فى القَدْرِ المحرِّم منها وحُكمه فى إرضاع الكبير، هل له تأثير، أم لا؟
 
( ثبت فى ((الصحيحين)): من حديث عائشة رضى اللَّه عنها، عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ الولاَدَة)).وثبت فيهما: من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم أُريد على ابنة حمزَة، فقال:
((إِنَّهَا لا تَحِلُّ لى، إنَّهَا ابنةُ أخى مِن الرَّضاَعَةِ وَيَحْرُمُ مِن الرَّضَاعَةِ ما يَحْرُمُ من الرَّحِم)).وثبت فيهما: أنه قال لعائشة رضى اللَّه عنها: ((ائذَنى لأَفْلَحَ أخى أبى القُعَيْسِ، فَإِنَّهُ عَمُّكِ)) وكانَت امرأَتُه أرضعت عائشةَ رضى اللَّه عنها.وبهذا أجاب ابنُ عباس لما سئل عن رجل له جاريتان، أرضعت إحداهما جاريةً، والأخرى غُلاماً: أَيحِلُّ للغلام أن يتزوجَ الجارية؟ قال: لا اللِّقَاحُ واحِدُ.
وثبت فى ((صحيح مسلم)) عن عائشة رضىاللَّه عنها، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم: ((لاَ تُحَرِّمُ المَصَّةُ والمَصَّتانِ)).
وفى رواية: ((لاَ تُحَرِّمُ الإملاجَةُ والإملاجَتَانِ)).
وفى لفظ له: أن رجلاً قال: يا رسولَ اللَّه هل تحرِّم الرضعةُ الواحِدَةُ؟ قال: لا.
وثبت فى ((صحيحه)) أيضاً: عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كَانَ فيما نَزَلَ مِنَ القُرآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثم نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فتوفِّىَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهُنَّ فيما يقرأ مِن القرآن.
وثبت فى ((الصحيحين)): من حديث عائشة رضى اللَّه عنها، أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّمَا الرَّضَاعَةُ من المَجَاعَة)).وثبت فى ((جامع الترمذى)): من حديث أم سلمة رضى اللَّه عنها، أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ إلا ما فَتَقَ الأمْعَاء فى الثَّدْى وكَانَ قَبْل الفِطَام))، وقال الترمذى: حديث صحيح. وفى سنن الدارقطنى بإسناد صحيح، عن ابن عباسٍ يرفعه: ((لا رضاع إلا ما كان فى الحولين)).
وفى سنن أبى داود: من حديث ابن مسعود يرفعه: ((لا يحرم مِن الرضَاع إلا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَرَ العَظْمَ)).
وثبت فى ((صحيح مسلم)): عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: جاءت سَهْلَة بنتُ سُهَيْل إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول اللَّه، إنى أرَى فى وجه أبى حُذَيْفَةَ مِن دُخُولِ سالمٍ وهو حَلِيفُهُ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ((أَرْضِعيهِ تَحْرُمى عَلَيْهِ)).وفى رواية له عنها قالت: جاءت سَهْلَةُ بنتُ سُهَيْل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول اللَّه، إنى أرى فى وجه أبى حُذَيْفَة من دخول سالم وهو حليفُه، فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: ((أرضعيهِ))، فقالت: وكيف أُرضِعُهُ وهو رَجُلٌ كبير، فتبسَّم رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وقال: ((قد عَلِمْتُ أنه كبير)).
وفى لفظ لمسلم: أن أم سلمةَ رضى اللَّه عنها قالت لعائشةَ رضى اللَّه عنها: إنه يدخُل عليك الغلامُ الأيْفَعُ الذى ما أُحِبُّ أن يدخلَ علىَّ، فقالت عائشةُ رضى اللَّه عنها: أما لَكِ فى رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم أسوةٌ؟ إن امرأة أبى حُذيفة قالت: يا رسولَ اللَّه، إن سالماً يدخلُ علىَّ وهو رَجُل، وفى نفس أبى حُذيفَة منه شىءٌ، فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ((أَرْضِعيهِ حَتّى يَدْخُل عَلَيْكِ)).
وساقه أبو داود فى ((سننه)) سياقه تامة مطولة، فرواه من حديث الزهرى، عن عروة، عن عائشة وأم سلمة رضى اللَّه عنهما، أن أبا حذيفة بن عُتبة بن ربيعة بن عبد شمس كان تبنَّى سالماً، وأنكَحَهُ ابنةَ أخيه هنداً بنتَ الوليد بن عتبة، وهو مولىً لامرأة من الأنصار، كما تَبَنَّى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زيداً، وكان مَنْ تَبَنَّى رجلاً فى الجاهلية، دعاهُ النَّاسُ إليه، وَوَرِثَ ميراثَه، حتى أنزل اللَّه تعالى فى ذلك: {ادْعُوهُم لآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهم فَإخْوانُكم فى الدِّينِ ومَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] فردوا إلى آبائهم فمن لم يُعْلمْ له أبٌ كان مولىً وأخاً فى الدِّين، فجاءت سَهْلَة بنتُ سُهَيْل بن عَمْرو القرشى، ثم العامرى، وهى امرأةُ أبى حذيفة، فقالت: يا رسول اللَّهِ، إنا كُنَّا نرى سالِماً ولداً، وكان يأوى معى ومع أبى حذيفة فى بيتٍ واحدٍ، ويرانى فُضُلاً، وقد أنزلَ اللَّهُ تعالى فيهم ما قد عَلِمْتَ، فكيف تَرَى فيه؟ فقال رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((أرضعيه)) فأرْضعَتْهُ خمس رضعاتٍ، فكان بمنزلةِ ولدِها من الرَّضَاعَةِ، فبذلك كانت عائشةُ رضى اللَّه عنها تأمُرُ بناتِ إخوتِها، وبناتِ أخواتهَا أَن يُرضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ عائشةُ رضى اللَّه عنها أن يَرَاهَا ويدخلَ عليها، وإن كان كبيراً خَمْسَ رضعاتٍ، ثُمَّ يدْخُلُ عليها، وأَبَتْ ذلك أُمُّ سَلَمَةَ وسائرُ أزواجِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم أن يُدْخِلْنَ عليهنَّ أحداً بتلك الرِضاعةِ مِن الناس حتى يرضع فى المهد، وقلن لعائشة: واللَّه ما ندرى لعلَّها كانت رُخْصَةً من النبىِّ صلى الله عليه وسلم لسالم دُونَ الناس.
فتضمنت هذه السُّنَنُ الثابتةُ أحكاماً عديدةً، بعضها متفق عليه بين الأُمَّة، وفى بعضها نِزاع.
...