فصل في نجاسة العظم
 
وأما عظمُها، فمن لم ينجسه بالموت، كأبى حنيفة، وبعض أصحاب أحمد، واختيار ابن وهب من أصحاب مالك، فيجوز بيعُه عندهم، وإن اختلف مأخذ الطهارة، فأصحاب أبى حَنيفة قالوا: لا يدخل فى الميتة، ولا يتناولُه اسمها، ومنعوا كونَ الألم دليلَ حياته، قالُوا: وإنما تؤلمه لما جاوره من اللحم لا ذات العظم، وحملوا قوله تعالى: {قَالَ مَنْ يُحْيى العِظَامَ وَهِىَ رَمِيمٌ} [يس: 78]، على حذف مضاف، أى أصحابها. وغيرهُم ضعَّف هذا المأخذ جداً، وقال: العظم يألم، وألمه أشدُّ من ألم اللحم، ولا يَصِحُّ حمل الآية على حذف مضاف، لوجهين، أحدهما: أنه تقدير ما لا دليل عليه، فلا سبيل إليه. الثانى: أن هذا التقدير يستلزم الإضراب عن جواب سؤال السائل الذى استشكل حياة العظام، فإن أُبىَّ ابْنَ خَلف أخذ عظماً بالياً، ثم جاء به إلى النبى صلى الله عليه وسلم، ففته فى يده، فقال: يا محمد، أترى اللَّه يحيى هذا بعد ما رُمَّ؟ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((نعم، ويَبْعَثُكَ، ويُدْخِلُكَ النَّار)).
فمأخذ الطهارة أن سببَ تنجيس الميتة منتفٍ فى العظام، فلم يُحكم بنجاستها، ولا يصح قياسها على اللحم، لأن احتقانَ الرطوبات والفضلات الخبيثة يختص به دونَ العظام، كما أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت، وهو حيوان كامل، لِعدم سبب التنجيس فيه. فالعظم أولى، وهذا المأخذُ أصح وأقوى من الأول، وعلى هذا، فيجوز بيعُ عظام الميتة إذا كانت من حيوان طاهر العين.
وأما من رأى نجاستها، فإنه لا يجوز بيعها، إذ نجاستها عينية، قال ابن القاسم: قال مالك: لا أري أن تُشترى عِظام الميتة ولا تباع، ولا أنياب الفيل، ولا يتجر فيها، ولا يمتشط بأمشاطها، ولا يدهن بمداهنها، وكيف يجعل الدهن فى الميتة ويمشط لحيته الميتة، وهى مبلولة، وكره أن يُطبخ بعظام الميتة، وأجاز مطرِّف، وابن الماجِشون بيعَ أنياب الفيل مطلقاً، وأجازه ابن وهب، وأصبغ إن غُليت وسُلِقت، وجعلا ذلك دباغاً لها.