فصل في تحريم بيع الاصنام
 
وأما تحريمُ بيع الأصنام، فُيستفاد منه تحريمُ بيع كُلِّ آلة متخذة للشرك على أى وجه كانت، ومن أى نوع كانت صنماً أو وثناً أو صليباً، وكذلك الكُتب المشتمِلَةُ على الشرك، وعبادة غير اللَّه، فهذه كلها يجب إزالتها وإعدامها، وبيعُها ذريعةٌ إلي اقتناعها واتخاذها، فهو أولى بتحريم البيع مِن كل ما عداها، فإن مفسدةَ بيعها بحسب مفسدتها فى نفسها، والنبىُّ صلى الله عليه وسلم لم يُؤخر ذِكرها لخفة أمرها، ولكنه تدرَّج من الأسهل إلى ما هو أغلظ منه، فإن الخمرَ أحسنُ حالاً مِن الميتة، فإنها تصيرُ مالاً محترماً إذا قلبها اللَّهُ سبحانه ابتداء خّلاً، أو قلبها الآدمى بصنعته عند طائفة من العلماء، تُضمن إذا أتلفت على الذمى عند طائفة بخلاف الميتة، وإنما لم يجعل اللَّه فى أكل الميتة حداً اكتفاء بالزاجر الذى جعله اللَّه فى الطباع مِن كراهتها والنفرة عنها، وإبعادها عنها، بخلاف الخمر. والخنزير أشدُّ تحريماً من الميتة، ولهذا أفرده اللَّه تعالى بالحكم عليه أنه رجس فى قوله: {قُلْ لاَ أَجدُ فِيمَا أُوحِىَ إلىَّ مُحرَّماً عَلى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً} [الأنعام: 145]، فالضمير فى قوله: ((فإنه)) وإن كان عوده إلى الثلاثة المذكورة بإعتبار لفظ المحرم، فإنه يترجح اختصاص لحم الخنزير به لثلاثة أوجه. أحدها: قربُه منه، والثانى: تذكيرُه دون قوله، فإنها رجس، والثالث: أنه أتى
((بالفاء)) و((إنَّ)) تنبيهاً على علة التحريم لتزجر النفوسُ عنه، ويقابل هذه العلة ما فى طباع بعض الناس من استلذاذه، واستطابته، فنفى عنه ذلك، وأخبر أنه رجس، وهذا لا يحتاج إليه فى الميتة والدم لأن كونهما رجساً أمر مستقر معلوم عندهم، ولهذا فى القرآن نظائر، فتأملها. ثم ذكر بعدُ تحريمُ بيع الأصنام، وهو أعظمُ تحريماً وإثماً، وأشد منافاة للإسلام من بيع الخمر والميتة والخنزير.