فصل في بيع الصوف
 
وأما بيعُ الصوف على الظهر، فلو صحَّ فذا الحديثُ بالنهي عنه، لوجبَ القولُ به، ولم تسغ مخالفته وقد اختلف الروايةُ فيه عن أحمد، فمرةً منعه، ومرَّة أجازه بشرط جَزِّهِ في الحال، ووجه هذا القول أنه معلوم يُمكن تسليمُه، فجاز بيعُه كالرطبة، وما يقدر من اختلاط المبيع الموجود بالحادث على ملك البائع يزولُ بجزِّهِ في الحال، والحادث يسير جداً لا يمكن ضبطُه، هذا ولو قيل بعدم اشتراط جزِّه في الحال، ويكون كالرطبة التي تؤخذ شيئاً فشيئاً، وإن كانت تطول في زمن أخذها كان له وجه صحيح، وغايته بيع معدوم. لم يخلق تبعاً للموجود، فهو كأجزاء الثمار التي لم تُخلق، فإنها تتبع الموجود منها، فإذا جعلا للصوف وقتاً معيناً يُؤخذ فيه كان بمنزلة أخذ الثمرة وقتَ كمالها.
ويُوضح هذا أن الذين منعوه قاسوه على أعضاء الحيوان وقالوا: متصلٌ بالحيوان فلم يجز إفراده بالبيع كأعضائه، وهذا من أفسدِ القياس، لأن الأعضاء لا يُمكن تسليمها مع سلامة الحيوان.
فإن قيل: فما الفرق بينه وبين اللبن في الضرع وقد سوغتم هذا دونه؟ قيل: اللبن في الضرع، يختلط ملك المشتري فيه بملك البائع سريعاً، فإن اللبن سريع الحدوث كلما حلبه، دَرَّ، بخلاف الصوف. والله أعلم وأحكم.