قال المصنف رحمه الله تعالى : كتاب التوحيد
 
ش: كتاب : مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة وكتباً ، ومدار المادة على الجمع . ومنه : تكتب بنو فلان ، إذا اجتمعوا . والكتيبة لجماعة الخيل ، والكتابة بالقلم لاجتماع الكلمات والحروف . وسمى الكتاب كتاباً : لجمعه ما وضع له .
والتوحيد نوعان : توحيد فى المعرفة والإثبات . وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات . وتوحيد فى الطلب والقصد . وهو توحيد الإلهية والعبادة .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله : وأما التوحيد الذى دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب فهو نوعان : توحيد فى المعرفة والإثبات ، وتوحيد فى الطلب والقصد .
فالأول هو : إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه وتكلمه بكتبه وتكليمه لمن شاء من عباده ، وإثبات عموم قضائه وقدره وحكمته ، وقد أفصح القرآن عن هذا النوع جد الإفصاح ، كما فى أول سورة الحديد ، وسورة طه ، وآخر الحشر ، وأول تنزيل السجدة ، وأول آل عمران ، وسورة الإخلاص بكمالها ، وغير ذلك .
النوع الثانى : ما تضمنته سورة - قل يا أيها الكافرون - وقوله تعالى : # 3 : 64 # - قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون - وأول سورة تنزيل الكتاب وآخرها . وأول سورة المؤمن : ووسطها وآخرها ، وأول سورة الأعراف وآخرها . وجملة سورة الأنعام ، وغالب سور القرآن . بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعى التوحيد ، شاهدة به داعية إليه .
فإن القران إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأقواله ، فهو التوحيد العلمى الخبرى وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه ، فهو التوحيد الإرادي الطلبي . وإما أمر ونهى ، وإلزام بطاعته وأمره ونهيه ، فهو حقوق التوحيد ومكملاته وإما خبر عن إكرام أهل التوحيد وما فعل به فى الدنيا وما يكرمهم به فى الآخرة ، فهو جزاء توحيده ، وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم فى الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب . فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد . فالقرآن كله فى التوحيد ، وحقوقه وجزائه ، وفى شأن الشرك وأهله وجزائهم . انتهى .
قال شيخ الإسلام : التوحيد الذى جاءت به الرسل إنما يتضمن إثبات الإلهية لله وحده بأن يشهد أن لا إله إلا الله : لا يعبد إلا إياه ، ولا يتوكل إلا عليه ، ولا يوالى إلا له ، ولا يعادى إلا فيه ، ولا يعمل إلا لأجله . وذلك يتضمن إثبات ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات . قال تعالى : # 2 : 163 # -وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم- قال تعالى : # 16 : 51 # - وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون - وقال تعالى : # 23 : 117 # -ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون- وقال تعالى : # 43: 45 # -واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون- وأخبر عن كل نبى من الأنبياء أنهم دعوا الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له . وقال : # 60 : 4 # - قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده - وقال عن المشركين : # 37 :35 ،36 # - إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون * ويقولون أإنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون - وهذا فى القرآن كثير .
وليس المراد بالتوحيد : مجرد توحيد الربوبية . وهو اعتقاد أن الله وحده خلق العالم ، كما يظن ذلك من يظنه من أهل الكلام والتصوف . ويظن هؤلاء أنهم إذا أثبتوا ذلك بالدليل فقد أثبتوا غاية التوحيد . وأنهم إذا شهدوا هذا وفنوا فيه فقد فنوا فى غاية التوحيد فإن الرجل لو أقر بما يستحقه الرب تعالى من الصفات ونزهه عن كل ما ينزه عنه . وأقر بأنه وحده خالق كل شئ ، لم يكن موحداً حتى يشهد بأن لا إله إلا الله وحده . فيقر بأن الله وحده هو الإله المستحق للعبادة . ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له . و الإله هو المألوه المعبود الذى يستحق العبادة . وليس هو الإله بمعنى القادر على الاختراع . فإذا فسر المفسر الإله بمعنى القادر على الاختراع واعتقد أن هذا المعنى هو أخص وصف الإله . وجعل إثبات هذا هو الغاية فى التوحيد - كما يفعل ذلك من يفعله من متكلمة الصفاتية . وهو الذى يقولونه عن أبى الحسن وأتباعه لم يعرفوا حقيقة التوحيد الذى بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم . فإن مشركى العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شئ . وكانوا مع هذا مشركين . قال تعالى : # 12 : 106 # -وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون- قالت طائفة من السلف تسألهم : من خلق السموات والأرض ؟ فيقولون : الله وهم مع هذا يعبدون غيره قال تعالى : # 23 : 84 - 89 # - قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل أفلا تذكرون * قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون لله قل أفلا تتقون * قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل فأنى تسحرون - فليس كل من أقر بأن الله تعالى رب كل شئ وخالقه يكون عابداً له ، دون ما سواه . داعيا له دون ما سواه راجياً له خائفاً منه دون ما سواه . يوالى فيه ويعادى فيه . ويطيع رسله ويأمر بما أمر به . وينهى عما نهى عنه . وعامة المشركين أقروا بأن الله خالق كل شئ . وأثبتوا الشفعاء الذين يشركونهم به وجعلوا له أنداداً . قال تعالى : # 39 : 43، 44 # - أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون * قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض - وقال تعالى : # 10 : 18 # - ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون -وقال تعالى : # 6 : 14 # -ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون-وقال تعالى : # 2 : 165 # -ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله- ولهذا كان أتباع هؤلاء من يسجد للشمس والقمر والكواكب ويدعوها . ويصوم وينسك لها ويتقرأ إليها . ثم يقول : إن هذا ليس بشرك . إنما الشرك إذا اعتقدت أنها المدبرة لى . فإذا جعلتها سبباً وواسطة لم أكن مشركاً. ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا شرك . انتهى كلامه رحمه الله تعالى .