قال المصنف رحمه الله تعالى : قوله تعالى : # 17 : 23 # ـ وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ـ .
 
ش: قال مجاهد قضى يعني وصى ، وكذا قرأ أبي بن كعب وابن مسعود وغيرهم ولابن جرير عن ابن عباس وقضى ربك يعني أمر .
وقوله تعالى : - أن لا تعبدوا إلا إياه - المعنى ، أن تعبدوه وحده دون ما سواه ، وهذا معنى لا إله إلا الله .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ، والنفي المحض ليس توحيداً ، وكذلك الاثبات بدون النفي ، فلا يكون التوحيد إلا متضمناً للنفي والإثبات ، وهذا هو حقيقة التوحيد .
وقوله :- وبالوالدين إحسانا -أي وقضى أن تحسنوا بالوالدين إحساناً ، كما قضى بعبادته وحده لا شريك له . كما قال تعالى في الآية الأخرى # 13 : 14 # -أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير-
وقوله : -إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما- أى ألا تسمعهما قولاً سيئاً ، حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيء -ولا تنهرهما- أي : لا يصدر منك إليهما فعل قبيح ، كما قال عطاء بن أبي رباح لا تنفض يديك عليهما .
ولما نهاه عن الفعل القبيح والقول القبيح أمره بالفعل الحسن والقول الحسن فقال : - وقل لهما قولاً كريماً - أي ليناً طيباً بأدب وتوقير وقوله - واخفض لهما جناح الذل من الرحمة - أى تواضع لهما - وقل رب ارحمهما - أي في كبرهما وعند وفاتهما - كما ربياني صغيرا - وقد ورد في بر الوالدين أحاديث كثيرة ، منها : الحديث المروي من طرق عن أنس وغيره - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صعد المنبر قال : آمين ، آمين ، آمين ، فقالوا يا رسول الله ، على ما أمنت ؟ قال أتاني جبريل فقال : يا محمد رغم أنف امرىء ذكرت عنده فلم يصل عليك قل : آمين ، فقلت : آمين ثم قال : رغم أنف امرىء دخل عليه شهر رمضان ثم خرج ولم يغفر له ، قل آمين : فقلت آمين ، ثم قال : رغم أنف امرىء أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قل : آمين ، فقلت آمين - وروى الامام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم - رغم أنف ، ثم رغم أنف ، ثم رغم أنف رجل أدرك والديه ، أحدهما أو كلاهما لم يدخل الجنة - قال العماد ابن كثير : صحيح من هذا الوجه عن أبى بكرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : - ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين . وكان متكئاً فجلس ، فقال ألا وقول الزور ، ألا وشهادة الزور ، فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت - رواه البخارى ومسلم . وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : - رضى الرب فى رضى الوالدين ، وسخطه فى سخط الوالدين - ، عن أسيد الساعدى رضى الله عنه قال : - بينا نحن جلوس عند النبى صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بنى سلمة فقال : يا رسول الله ، هل بقى من بر أبوي شئ أبرهما به بعد موتهما ؟ فقال : نعم ، الصلاة عليهما والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وصلة الرحم التى لا توصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما - رواه أبو داود وابن ماجة . والأحاديث فى هذا المعنى كثيرة جداً .