قال المصنف رحمه الله تعالى : وقوله تعالى : # 6 : 151-153 # ـ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ـ الآيات .
 
ش: قال العماد ابن كثير رحمه الله : يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم (قل) لهؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله ، وحرموا ما رزقهم الله (تعالوا) أي هلموا وأقبلوا (أتل) أقص عليكم (ماحرم ربكم عليكم) حقاً ، لا تخرصاً ولا ظناً ، بل وحياً منه وأمراً من عنده (ألا تشركوا به شيئاً) وكأن في الكلام محذوفاً دل عليه السياق تقديره : وصاكم ألا تشركوا به شيئاً ، ولهذا قال في آخر الآية (ذلكم وصاكم به) ا هـ .
قلت : فيكون المعنى : حرم عليكم ما وصاكم بتركه من الإشراك به ، وفي المغني لابن هشام فى قوله تعالى - أن لا تشركوا به شيئا - سبعة أقوال ، أحسنها : هذا الذى ذكره ابن كثير ، ويليه : بين لكم ذلك لئلا تشركوا ، فحذفت الجملة من أحدهما ، وهى (وصاكم) وحرف الجر وما قبله من الأخرى . ولهذا إذا سئلوا عما يقول لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يقول اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، واتركوا ما يقول آباؤكم كما قال أبو سفيان ، لهرقل وهذا هو الذى فهمه أبو سفيان وغيره من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم قولوا لا اله إلا الله تفلحوا .
وقوله تعالى : - وبالوالدين إحساناً - قال القرطبى : الإحسان إلى الوالدين برهما وحفظهما وصيانتهما وامتثال أمرهما ، وإزالة الرق عنهما ، وترك السلطنة عليهما ، و(إحساناً) نصب على المصدرية ، وناصبه فعل من لفظه تقديره : وأحسنوا بالوالدين إحساناً .
وقوله - ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم - إلاملاق : الفقر ، أى لا تئدوا بناتكم خشية العيلة والفقر ، فإنى رازقكم وإياهم ، وكان منهم من يفعل ذلك بالذكور خشية الفقر ، ذكره القرطبى . وفى الصحيحين - عن ابن مسعود رضى الله عنه (قلت : يا رسول الله ، أى الذنب أعظم عند الله ؟ قال : أن تجعل لله نداً وهو خلقك . قلت : ثم أى ؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك . قلت : ثم أي ؟ قال : أن تزاني بحليلة جارك . ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم # 25 : 68 - 70 # - والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما - - .
وقوله : - ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن - قال ابن عطية : نهي عام عن جميع أنواع الفواحش ، وهى المعاصى .
و(ظهر) و (بطن) حالتان تستوفيان أقسام ما جلتا له من الأشياء . انتهى .
وقوله : - ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق - فى الصحيحين : - عن ابن عباس رضى الله عنه مرفوعاً : لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزانى ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة - .
وقوله : - ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون - قال ابن عطية : (ذلكم) إشارة إلى هذه المحرمات والوصية الأمر المؤكد المقرر . وقوله (لعلكم تعقلون) (لعل) للتعليل أى إن الله تعالى وصانا بهذه الوصايا لنعقلها عنه ونعمل بها ، وفى تفسير الطبرى الحنفى : ذكر أو لا (تعقلون) في (تذكرون) ثم (تتقون) لأنهم إذا عقلوا تذكروا وخافوا واتقوا .
وقوله : - ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده - قال ابن عطية : هذا نهى عام عن القرب الذى يعم وجوه التصرف وفيه سد الذريعة ، ثم استثنى ما يحسن وهو السعى فى نمائه ، قال مجاهد : التي هي أحسن ، إشارة فيه ، وفي قوله : (حتى يبلغ أشده) قال مالك وغيره : هو الرشد وزوال السفه مع البلوغ ، روى نحو هذا عن زيد بن أسلم والشعبى وربيعة وغيرهم .
وقوله : - وأوفوا الكيل والميزان بالقسط - قال ابن كثير : يأمر تعالى بإقامة العدل فى الأخذ والإعطاء - لا نكلف نفساً إلا وسعها - أي من اجتهاد بأداء الحق وأخذه ، فإن أخطأ بعد استفراغ الوسع وبذل جهده فلا حرج عليه .
وقوله : - وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى - هذا أمر بالعدل فى القول والفعل على القريب والبعيد . قال الحنفي : العدل فى القول فى حق الولى والعدو لا يتغير فى الرضى والغضب بل يكون على الحق وإن كان ذا قربى فلا يميل إلى الحبيب والقريب # 5: 8 # - ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى - .
وقوله - وبعهد الله أوفوا - قال ابن جرير : وبوصية الله تعالى التي وصاكم بها فأوفوا . وإيفاء ذلك بأن يطيعوه بما أمرهم به ونهاهم عنه . وأن يعملوا بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ذلك هو الوفاء بعهد الله . وكذا قال غيره ، وقوله - ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون - تتعظون وتنتهون عما كنتم فيه .
وقوله : - وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله - قال القرطبي : هذه آية عظيمة عطفها على ما تقدم . فإنه نهي وأمر وحذر عن اتباع غير سبيله على ما بينته الأحاديث الصحيحة وأقاويل السلف . و (أن) فى موضع نصب . أي أتلو أن هذا صراطي ، عن الفراء و الكسائي . ويجوز أن يكون خفضاً . أي وصاكم به وبأن هذا صراطي . قال: والصراط الطريق الذي هو دين الإسلام . (مستقيماً) نصب على الحال ومعناه مستوياً قيماً لا اعوجاج فيه . فأمر باتباع طريقه الذي طرقه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وشرعه ونهايته الجنة وتشعبت منه طرق ، فمن سلك الجادة نجا ، ومن خرج إلى تلك الطرق أفضت به إلى النار . قال الله تعالى : - ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون - أي يميل . انتهى .
وروى الإمام أحمد والنسائي و الدارمي و ابن أبي حاتم و الحاكم - وصححه - - عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً بيده ، ثم قال هذا سبيل الله مستقيماً ، ثم خط خطوطاً عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال : وهذه سبل ليس منها سبيل إلا وعليه شيطان يدعو إليه ، ثم قرأ - وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل - الآية - . وعن مجاهد : ولا تتبعوا السبل ، قال : البدع والشهوات .
قال ابن القيم رحمه الله : ولنذكر في الصراط المستقيم قولاً وجيزاً فإن الناس قد تنوعت عباراتهم عنه بحسب صفاته ومتعلقاته ، وحقيقته شئ واحد ، وهو طريق الله الذي نصبه لعباده موصلاً لهم إليه ولا طريق إليه سواه ، بل الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا طريقه الذي نصبه على ألسن رسله ، وجعله موصلاً لعبادة الله وهو إفراده بالعبادات ، وإفراد رسله بالطاعة ، فلا يشرك به أحداً في عبادته ولا يشرك برسوله صلى الله عليه وسلم أحداً في طاعته . فيجرد التوحيد ، ويجرد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا كله مضمون شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله فأي شئ فسر به الصراط المستقيم فهو داخل في هذين الأصلين . ونكتة ذلك ، أن تحبه بقلبك وترضيه بجهدك كله ، فلا يكون في قلبك موضع إلا معموراً بحبه ، ولا يكون لك إرادة متعلقة بمرضاته . فالأول يحصل بتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله ، والثاني يحصل بتحقيق شهادة أن محمداً رسول الله . وهذا هو الهدى ودين الحق ، وهو معرفة الحق والعمل به ، وهو معرفة ما بعث الله به رسوله والقيام به ، وقل ما شئت من العبارات التى هذا آخيتها وقطب رحاها . قال : وقال سهل بن عبد الله : عليكم بالأثر والسنة ، فإنى أخاف ، إنه سيأتي عن قليل زمان إذا ذكر إنسان النبى صلى الله عليه وسلم والاقتداء به فى جميع أحواله ذموه ونفروا عنه وتبرأوا منه ، وأذلوه وأهانوه . ا هـ .