معنى أن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته
 

قوله : (وأن عيسى عبد الله ورسوله) أى خلافاً لما يعتقده النصارى أنه الله أو ابن الله ، أو ثالث ثلاثة . تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً # 23 : 91 # - ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله - فلا بد أن يشهد أن عيسى عبد الله ورسوله على علم ويقين بأنه مملوك لله ، خلقه من أنثى بلا ذكر ، كما قال تعالى : # 3 : 59 # - إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون - فليس رباً ولا إلهاً . سبحان الله عما يشركون . قال تعالى # 19 : 29 - 36 # - فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا * قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا * وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا * والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا * ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون * ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون * وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم - وقال : # 4 : 172 # - لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً - ويشهد المؤمن أيضاً ببطلان قول أعدائه اليهود : أنه ولد بغى ، لعنهم الله تعالى . فلا يصح إسلام أحد علم ما كانوا يقولونه حتى يبرأ من قول الطائفتين جميعاً في عيسى عليه السلام ، ويعتقد ما قاله الله تعالى فيه : أنه عبد الله ورسوله .
قوله : (وكلمته) إنما سمى عيسى عليه السلام كلمة لوجوده بقوله تعالى : كن كما قاله السلف من المفسرين . قال الإمام أحمد فى الرد على الجهمية بالكلمة التى ألقاها إلى مريم حين قال له كن فكان عيسى بكن وليس عيسى هو كن ولكن بكن كان . فكن من الله تعالى قول ، وليس كن مخلوقاً ، وكذب النصارى والجهمية على الله فى أمر عيسى انتهى .
قوله : (ألقاها إلى مريم) قال ابن كثير : خلقه بالكلمة التى أرسل بها جبريل إلى مريم فنفخ فيها من روحه بأمر ربه عز وجل : فكان عيسى بإذن الله عز وجل ، فهو ناشىء عن الكلمة التي قال له كن فكان والروح التى أرسل بها : هو جبريل عليه السلام .
وقوله : (وروح منه) قال أبى بن كعب : عيسى روح من الأرواح التى خلقها الله تعالى واستنطقها بقوله : # 7 : 271 # - ألست بربكم قالوا بلى - بعثه الله إلى مريم فدخل فيها رواه عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد فى زوائد المسند ، وابن جرير وابن أبى حاتم وغيرهم . قال الحافظ : ووصفه بأنه منه ، فالمعنى أنه كائن منه ، كما فى قوله تعالى # 45 : 12 # - وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه - فالمعنى أنه كائن منه ، كما أن معنى الأية الأخرى أنه سخر هذه الأشياء كائنة منه أي أنه مكون ذلك وموجده بقدرته وحكمته .
قال شيخ الإسلام : المضاف إلى الله تعالى إذا كان معنى لا يقوم بنفسه ولا بغيره من المخلوقات وجب أن يكون صفة لله تعالى قائمة به ، وامتنع أن تكون إضافته إضافة مخلوق مربوب . وإذا كان المضاف عيناً قائمة بنفسها كعيسى وجبريل عليهما السلام وأرواح بني آدم امتنع أن تكون صفة لله تعالى ، لأن ما قام بنفسه لا يكون صفة لغيره .
لكن الأعيان المضافة إلى الله تعالى على وجهين :
أحدهما : أن تضاف إليه لكونه خلقها وأبدعها ، فهذا شامل لجميع المخلوقات ، كقولهم : سماء الله ، وأرض الله . فجميع المخلوقين عبيد الله ، وجميع المال مال الله .
الوجه الثانى : أن يضاف إليه لما خصه به من معنى يحبه ويأمر به ويرضاه ، كما خص البيت العتيق بعبادة فيه لا تكون فى غيره. وكما يقال فى مال الخمس والفىء : هو مال الله ورسوله . ومن هذا الوجه : فعباد الله هم الذين عبدوه وأطاعوا أمره . فهذه إضافة تتضمن ألوهيته وشرعه ودينه ، وتلك إضافة تتضمن ربوبيته وخلقه . ا . هـ ملخصاً .
قوله : (والجنة حق والنار حق) أى وشهد أن الجنة التى أخبر بها الله تعالى فى كتابه أنه أعدها للمتقين حق ، أى ثابتة لا شك فيها ، وشهد أن النار التى أخبر بها تعالى فى كتابه أنه أعدها للكافرين حق كذلك ثابتة ، كما قال تعالى : # 57 :1 # - سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم - وقال تعالى : # 2 : 24 # - فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين - وفى الآيتين ونظائرهما دليل على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن ، خلافا للمبتدعة . وفيهما الإيمان بالمعاد .
وقوله : (أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) هذه الجملة جواب الشرط وفى رواية : أدخله الله من أى أبواب الجنة الثمانية شاء . قال الحافظ : معنى قوله : على ما كان من العمل أى من صلاح أو فساد ، لأن أهل التوحيد لابد لهم من دخول الجنة ، ويحتمل أن يكون معنى قوله : على ما كان من العمل أن يدخله الجنه على حسب أعمال كل منهم فى الدرجات .
قال القاضى عياض : ما ورد فى حديث عبادة يكون مخصوصاً لمن قال ما ذكره صلى الله عليه وسلم وقرن بالشهادتين حقيقة الإيمان والتوحيد الذي ورد في حديثه فيكون له من الأجر ما يرجح على سيئاته ويوجب له المغفرة والرحمة ودخول الجنة لأول وهلة .