قال المصنف رحمه الله ( - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال موسى عليه السلام : يا رب علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به ، قال : قل يا موسى لا إله إلا الله . قال : كل عبادك يقولون هذا ، قال : يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ، ولا إله إلا الله في كفة ، مالت بهن لا إله إلا الله رواه ابن حبان والحاكم وصححه - ) .
 

أبو سعيد : اسمه سعد بن مالك بن سنان بن عبيد الأنصاري الخزرجي ، صحابي جليل وأبوه كذلك ، استصغر أبو سعيد بأحد وشهد ما بعدها ، مات بالمدينة سنة ثلاث أو أربع أو خمس وستين وقيل سنة أربع وستين .
قوله (أذكرك) أي أثني عليك به (وأدعوك) أي اسألك به .
قوله (قل يا موسى لا إله إلا الله) فيه أن الذاكر بها يقولها كلها ، ولا يقتصر على لفظ الجلالة ، ولا على هو كما يفعله غلاة جهال المتصوفة ، فإن ذلك بدعة وضلال .
قوله : (كل عبادك يقولون هذا) ثبت بخط المصنف بالجمع ، والذى فى الأصول يقول بالإفراد مراعاة للفظة كل وهو فى المسند من حديث عبد الله بن عمر بلفظ الجمع كما ذكره المصنف على معنى كل ومعنى قوله كل عبادك يقولون هذا أي إنما أريد شيئاً تخصني به من بين عموم عبادك ، وفى رواية بعد قوله كل عبادك يقولون هذا - قل لا إله إلا الله ، قال لا إله إلا أنت يارب، إنما أريد شيئاً تخصنى به .
ولما كان بالناس - بل بالعالم كله - من الضرورة إلى لا إله إلا الله ما لا نهاية له ، كانت من أكثر الأذكار وجوداً ، وأيسرها حصولاً ، وأعظمها معنى . والعوام والجهال يعدلون عنها إلى الدعوات المبتدعة التى ليست في الكتاب ولا في السنة .
قوله (وعامرهن غيري) هو بالنصب عطف على السموات ، أي لو أن السموات السبع ومن فيهن من العمار غير الله تعالى ، والأرضين السبع ومن فيهن ، وضعوا فى كفة الميزان ولا إله إلا الله في الكفة الأخرى ، مالت بهن لا إله إلا الله .
وروى الإمام أحمد عن - عبد الله بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وسلم أن نوحاً عليه السلام قال لابنه عند موته : آمرك بلا إله إلا الله ، فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ، ولا إله إلا الله فى كفة رجحت بهن لا إله إلا الله ، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة لقصمتهن لا إله إلا الله - .
قوله : (في كفة) هو بكسر الكاف وتشديد الفاء ، أي كفة الميزان .
قوله : (مالت بهن) أي رجحت . وذلك لما اشتملت عليه من نفي الشرك ، وتوحيد الله الذي هو أفضل الأعمال . وأساس الملة والدين ، فمن قالها بإخلاص ويقين ، وعمل بمقتضاها ولوازمها وحقوقها ، واستقام على ذلك ، فهذه الحسنة لا يوازنها شئ ، كما قال الله تعالى : # 46 : 13 # - إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون - .
ودل الحديث على أن لا إله إلا الله أفضل الذكر . كحديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً : خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلى : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير رواه أحمد والترمذي ، وعنه أيضا مرفوعاً يصاح برجل من أمتى على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلاً ، كل سجل منها مد البصر ثم يقال : أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلمك كتبتى الحافظون فيقول : لا يارب . فيقال : أفلك عذر أو حسنة ؟ فيهاب الرجل فيقول : لا ، فيقال : بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم ، فيخرج له بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله . فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقال : إنك لا تظلم ، فتوضع السجلات في كفة ، والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة رواه الترمذي وحسنه .
والنسائى وابن حبان والحاكم . وقال : صحيح على شرط مسلم ، وقال الذهبي في تلخيصه : صحيح .
قال ابن القيم رحمه الله : فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها ، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب ، فتكون صورة العملين واحدة وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض . قال : وتأمل حديث البطاقة التى توضع فى كفة ويقابلها تسعة وتسعون سجلاً كل سجل منها مدى البصر ، فتثقل البطاقة وتطيش السجلات ، فلا يعذب . ومعلوم أن كل موحد له هذه البطاقة وكثير منهم يدخل النار بذنوبه .
قوله : (رواه ابن حبان والحاكم) ابن حبان اسمه محمد بن حبان - بكسر المهملة وتشديد الموحدة - ابن أحمد بن حبان بن معاذ ، أبو حاتم التميمي البستي الحافظ صاحب التصانيف : كالصحيح ، والتاريخ ، والضعفاء ، والثقات وغير ذلك . قال الحاكم : كان من أوعية العلم في الفقه واللغة والحديث والوعظ ، ومن عقلاء الرجال . مات سنة أربع وخمسين وثلاثمائة بمدينة بست - بضم الموحدة وسكون المهملة .
وأما الحاكم فاسمه محمد بن عبد الله بن محمد النيسابورى أبوعبد الله الحافظ ويعرف بابن البيع ولد سنة إحدى وعشرين وثلثمائة، وصنف التصانيف ، كالمستدرك وتاريخ نيسابور وغيرهما ، ومات سنة خمس وأربعمائة .