قال المصنف رحمه الله (وللترمذي - وحسنه - - عن أنس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله تعالى يا بن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة - ) .
 
علو الله على عرشه

حديث : لو أتيتني بقراب الأرض خطايا
ذكر المصنف رحمه الله الجملة الأخيرة من الحديث ، وقد رواه الترمذي بتمامه فقال : - عن أنس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله تبارك وتعالى : يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالى يا بن آدم ، إنك لو أتيتني - الحديث - .
الترمذي : اسمه محمد بن عيسى بن سورة - بفتح المهملة - بن موسى بن الضحاك السلمي أبو عيسى ، صاحب الجامع وأحد الحفاظ ، كان ضرير البصر ، روى عن قتيبة وهناد والبخاري وخلق . مات سنة تسع وسبعين ومائتين .
وأنس : هو ابن مالك بن النضر الأنصاري الخزرج] ، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم خدمه عشر سنين ، وقال له : اللهم أكثر ماله وولده وأدخله الجنة مات سنة اثنتين وقيل : ثلاث وتسعين ، وقد جاوز المائة .
والحديث قد رواه الإمام أحمد من حديث أبي ذر بمعناه ، وهذا لفظه - ومن عمل قراب الأرض خطيئة ثم لقيني لا يشرك بي جعلت له مثلها مغفرة - ورواه مسلم ، وأخرجه الطبرانى من حديث ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم .
قوله : (لو أتيتني بقراب الأرض) بضم القاف : وقيل بكسرها والضم أشهر وهو ملؤها أو ما يقارب ملئها .
قوله : (ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً) شرط ثقيل فى الوعد بحصول المغفرة ، وهو السلامة من الشرك : كثيره وقليله ، صغيره وكبيره . ولا يسلم من ذلك إلا من سلم الله تعالى ، وذلك هو القلب السليم كما قال تعالى : # 26 : 89 # - يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم - .
قال ابن رجب : من جاء مع التوحيد بقراب الأرض خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة -إلى أن قال - فإن كمل توحيد العبد وإخلاصه لله تعالى فيه ، وقام بشروطه بقلبه ولسانه وجوارحه ، أو بقلبه ولسانه عند الموت ، أعقب ذلك مغفرة ما قد سلف من الذنوب كلها ومنعه من دخول النار بالكلية . فمن تحقق بكلمة التوحيد قلبه أخرجت منه كل ما سوى الله : محبة وتعظيماً ، وإجلالاً ومهابة وخشية وتوكلاً ، وحينئذ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ، وإن كانت مثل زبد البحر ا هـ ملخصاً .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى فى معنى الحديث : ويعفى لأهل التوحيد المحض الذي لم يشوبوه بالشرك ما لا يعفى لمن ليس كذلك . فلو لقى الموحد الذي لم يشرك بالله شيئاً ألبته ربه بقراب الأرض خطايا أتاه بقرابها مغفرة ، ولا يحصل هذا لمن نقص توحيده . فإن التوحيد الخالص الذى لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب ، لأنه يتضمن من محبة الله وإجلاله وتعظيمه ، وخوفه ورجائه وحده ما يوجب غسل الذنوب ولو كانت قراب الأرض ، فالنجاسة عارضة والدافع لها قوى . ا هـ .
وفى هذا الحديث : كثرة ثواب التوحيد ، وسعة كرم الله وجوده ورحمته والرد على الخوارج الذين يكفرون المسلم بالذنوب ، وعلى المعتزلة القائلين بالمنزلة بين المنزلتين ، وهي الفسوق ، ويقولون ليس بمؤمن ولا كافر ، ويخلد في النار . والصواب قول أهل السنه : أنه لا يسلب عنه اسم الإيمان ، و لا يعطاه على الإطلاق ، بل يقال هو مؤمن عاص ، أو مؤمن بإيمانه ، فاسق بكبيرته . وعلى هذا يدل الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة . و - عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال : لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهي به إلى سدرة المنتهى ، فأعطي ثلاثاً : أعطى الصلوات الخمس ، وخواتيم سورة البقرة ، وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئاً : المقحمات - رواه مسلم .
قال ابن كثير فى تفسيره : وأخرج الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والنسائى - عن أنس ابن مالك قال : قرأ رسول الله صلى الله عليبه وسلم هذه الآية # 74 : 56 # - هو أهل التقوى وأهل المغفرة - وقال : قال ربكم : أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله ، فمن اتقى أن يجعل معي إلهاً كان أهلاً أن أغفر له - .
قال المصنف رحمه الله : (تأمل الخمس اللواتي فى حديث عبادة فإنك إذا جمعت بينه وبين حديث عتبان تبين لك معنى قوله : لا إله إلا الله وتبين لك خطأ المغرورين .
وفيه أن الأنبياء يحتاجون للتنبيه على فضل لا إله إلا الله والتنبيه لرجحانها بجميع المخلوقات ، مع أن كثيراً ممن يقولها يخف ميزانه . وفيه إثبات الصفات خلافاً للمعطلة . وفيه أنك إذا عرفت حديث أنس وقوله فى - حديث عتبان إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغى بذلك وجه الله - تبينت لك أن ترك الشرك في قولها باللسان فقط .