باب الخوف من الشرك قال المصنف رحمه الله تعالى : وفيه استعمال المعاريض وحسن خلقه صلى الله عليه وسلم .
 

قوله : باب (الخوف من الشرك)
وقول الله عز وجل : # 4: 48 و 116 # - إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء - قال ابن كثير : أخبر تعالى أنه (لا يغفر أن يشرك به) أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) أي من الذنوب لمن يشاء من عباده . انتهى .
فتبين بهذه الآية أن الشرك أعظم الذنوب ، لأن الله تعالى أخبر أنه لا يغفره لمن لم يتب منه ، وما دونه من الذنوب فهو داخل تحت المشيئة إن شاء غفره لمن لقيه به ، وإن شاء عذبه به ، وذلك يوجب للعبد شدة الخوف من الشرك الذي هذا شأنه عند الله ، لأنه أقبح القبيح وأظلم الظلم ، وتنقص لرب العالمين ، وصرف خالص حقه لغيره وعدل غيره به ، كما قال تعالى : # 6 : 1 # - ثم الذين كفروا بربهم يعدلون - ولأنه مناقض للمقصود بالخلق والأمر مناف له من كل وجه ، وذلك غاية المعاندة لرب العالمين ، والاستكبار عن طاعته ، والذل له ، والانقياد لأوامره الذي لا صلاح للعالم إلا بذلك ، فمتى خلا منه خرب وقامت القيامة ، كما - قال صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الأرض الله الله - رواه مسلم . ولأن الشرك تشبيه للمخلوق بالخالق تعالى ومشاركة فى خصائص الإلهية : من ملك الضر والنفع ، والعطاء والمنع ، الذى يوجب تعلق الدعاء والخوف والرجاء ، والتوكل وأنواع العبادة كلها بالله وحده ، فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق وجعل من لا يملك لنفسه ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ، شبيهاً بمن له الحمد كله ، وله الخلق كله ، وله الملك كله ، وإليه يرجع الأمر كله ، وبيده الخير كله ، فأزمة الأمور كلها بيده سبحانه ومرجعها إليه ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن . لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ، الذي إذا فتح للناس رحمة فلا ممسك لها ، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم . فأقبح التشبيه تشبيه العاجز الفقير بالذات : بالقادر الغني بالذات . ومن خصائص الإلهية : الكمال المطلق من جميع الوجوه ، الذى لا نقص فيه بوجه من الوجوه . وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده ، والتعظيم والإجلال ، والخشية والدعاء ، والرجاء والإنابة والتوكل والتوبة والاستعانة ، وغاية الحب مع غاية الذل : كل ذلك يجب عقلاً وشرعاً وفطرة أن يكون لله وحده ، ويمتنع عقلاً وشرعاً وفطرة أن يكون لغيره . فمن فعل شيئاً من ذلك لغيره فقد شبه ذلك الغير بمن لا شبيه له ولا مثيل له ، ولا ند له ، وذلك أقبح التشبيه وأبطله. فلهذه الأمور وغيرها أخبر سبحانه وتعالى أنه لا يغفره، مع أنه كتب على نفسه الرحمة . هذا معنى كلام ابن القيم رحمه الله .
وفى الاية رد على الخوارج المكفرين بالذنوب . وعلى المعتزلة القائلين بأن أصحاب الكبائر يخلدون فى النار ، وليسوا عندهم بمؤمنين ولا كفار .
ولا يجوز أن يحمل قوله : - ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء - على التائب ، فإن التائب من الشرك مغفور له كما قال تعالى :
# 39 : 53 # - قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا - فهنا عمم وأطلق ، لأن المراد به التائب ، وهناك خص وعلق ، لأن المراد به من لم يتب . هذا ملخص قول شيخ الإسلام .


الموضوع السابق


قال المصنف : ( - عن حصين بن عبد الله بن عبد الرحمن قال : كنت عند سعيد بن جبير فقال : أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة ؟ فقلت : أنا ، ثم قلت : أما إني لم أكن فى صلاتي ولكني لدغت ، قال : فما صنعت ؟ قلت : ارتقيت . قال : فما حملك على ذلك ؟ قلت : حديث حدثناه الشعبي ، قال : وما حدثكم ؟ قلت : حدثنا عن بريدة بن الحصيب أنه قال : لا رقية إلا من عين أو حمة . قال : قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ، ، ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : عرضت على الأمم ، فرأيت النبى ومعه الرهط ، والنبى ومعه الرجل والرجلان ، والنبى وليس معه أحد . إذ رفع لى سواد عظيم ، فظننت أنهم أمتي ، فقيل : هذا موسى وقومه ، فنظرت فإذا سواد عظيم ، فقيل لي : هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب . ثم نهض فدخل منزله ، فخاض الناس فى أولئك ، فقال بعضهم : فلعلهم اللذين صحبوا رسول الله صلى اله عليه وسلم وقال بعضهم : فلعلهم الذين ولدوا فى الإسلام ، فلم يشركوا بالله شيئاً ، وذكروا أشياء ، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه ، فقال : هم الذين لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون . فقام عكاشة بن محصن فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلنى منهم . قال : أنت منهم ثم قام رجل آخر فقال : ادع الله أن يجعلني منهم . فقال : سبقك بها عكاشة - ) .