باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله بعث معاذ إلى اليمين يدعوهم إلى التوحيد
 

قوله : (باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله)
لما ذكر المصنف رحمه الله التوحيد وفضله ، وما يوجب الخوف من ضده ، نبه بهذه الترجمة على أنه لا ينبغى لمن عرف ذلك أن يقتصر على نفسه ، بل يجب عليه أن يدعو إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة . كما هو سبيل المرسلين وأتباعهم كما قال الحسن البصري لما تلا قوله تعالى : # 41 : 33 # - ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين - فقال : هذا حبيب الله ، هذا ولي الله ، هذا صفوة الله ، هذا خيرة الله ، هذا أحب أهل الأرض إلى الله ، أجاب الله فى دعوته . ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته ، وعمل صالحاً فى إجابته : إنني من المسلمين . هذا خليفة الله .
قال رحمه الله : (وقوله # 12 : 108 # - قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين - .
قال أبو جعفر ابن جرير : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (قل) يا محمد (هذه) الدعوة التى أدعو إليها ، والطريقة التي أنا عليها ، من الدعاء إلى توحيد الله ، وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان . والإنتهاء إلى طاعته وترك معصيته (سبيلي) طريقتي ، ودعوتي (أدعو إلى الله) تعالى وحده لا شريك له (على بصيرة) بذلك ، ويقين علم مني به (أنا) ويدعو إليه على بصيرة أيضاً من اتبعني وصدقني وآمن بي (وسبحان الله) يقول له تعالى ذكره : وقل. تنزيهاً لله تعالى وتعظيماً له من أن يكون له شريك فى ملكه أو معبود سواه فى سلطانه (وما أنا من المشركين) يقول : وأنا برىء من أهل الشرك به . لست منهم ولاهم منى انتهى .
قال فى شرح المنازل : يريد أن تصل باستدلالك إلى أعلى درجات العلم وهى البصيرة التى تكون نسبة المعلوم فيها إلى القلب كنسبة المائي إلى البصر ، وهذه هي الخصيصة التى اختص بها الصحابة عن سائر الأمة وهي أعلى درجات العلماء . قال تعالى : - قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني - أي أنا وأتباعي على بصيرة . وقيل (من اتبعنى) عطف على المرفوع فى (أدعو) أى أنا أدعو إلى الله على بصيرة ، ومن اتبعنى كذلك يدعو إلى الله تعالى على بصيرة ، وعلى القولين : فالآية تدل على أن أتباعه هم أهل البصائر الداعون إلى الله تعالى ، ومن ليس منهم فليس من أتباعه على الحقيقة والموافقة ، وإن كان من أتباعه على الانتساب والدعوى .
قال المصنف رحمه الله : فيه مسائل (منها التنبيه على الإخلاص لأن كثيراً ولو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه ، ومنها : أن البصيرة من الفرائض . ومنها : أن من دلائل حسن التوحيد أنه تنزيه لله تعالى عن المسبة . ومنها أن من قبح الشرك كونه مسبة لله تعالى . ومنها إبعاد المسلم عن المشركين لا يصير منهم ولو لم يشرك) ا هـ .
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى فى معنى قوله تعالى : # 16 :125 # - ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة - الآية . ذكر سبحانه مراتب الدعوة وجعلها ثلاثة أقسام بحسب حال المدعو ، فإنه إما أن يكون طالباً للحق محباً له . مؤثراً له على غيره إذا عرفه . فهذا يدعى بالحكمة . ولا يحتاج إلى موعظة وجدال . وإما أن يكون مشتغلاً بضد الحق . لكن لو عرفه آثره واتبعه . فهذا يحتاج إلى الموعظة بالترغيب والترهيب . وإما أن يكون معانداً معارضاً ، فهذا يجادل بالتي هى أحسن . فإن رجع وإلا انتقل معه إلى الجلاد إن أمكن . انتهى .