إعطاء على الراية يوم خيبر وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام
 

قال : (ولهما عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر : - لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه فبات الناس يدوكون ليلتهم ، أيهم يعطاها . فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب ؟ فقيل : هو يشتكي عينيه قال فأرسلوا إليه ، فأتي به ، فبصق فى عينيه ودعا له ، فبرأ كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية ، قال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم - )1.
يدوكون أي يخوضون .
قوله : (عن سهل بن سعد) أي ابن مالك بن خالد الأنصارى الخزرجى الساعدى ، أبي العباس صحابي شهير ، وأبوه صحابي أيضاً ، مات سنة ثمان وثمانين وقد جاوز المائة .
قوله : (قال يوم خيبر) وفى الصحيحين عن سلمة بن الأكوع قال : - كان علي رضي الله عنه قد تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم فى خيبر ، وكان أرمد ، فقال : أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج علي رضى الله عنه فلحق بالنبى صلى الله عليه وسلم فلما كان مساء الليلة التى فتحها الله عز وجل فى صباحها قال صلى الله عليه وسلم : لأعطين الراية - أو ليأخذن الراية - غداً رجل يحبه الله ورسوله ، أو قال : يحب الله ورسوله ، يفتح الله على يديه . فإذا نحن بعلي وما نرجوه ، فقالوا : هذا علي ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية ففتح الله عليه - .
قوله : (لأعطين الراية) قال الحافظ : فى رواية بريدة : - إنى دافع اللواء إلى رجل يحبه الله ورسوله - وقد صرح جماعة من أهل اللغة بترادفها ، ولكن روى أحمد والترمذي من حديث ابن عباس - كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ، ولواؤه أبيض - ومثله عند الطبرانى عن بريدة . وعن ابن عدي عن أبى هريرة وزاد مكتوب فيه : لا إله إلا الله محمد رسول الله .
قوله : (يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) فيه فضيلة عظيمة لعلي رضى الله عنه .
قال شيخ الإسلام : ليس هذا الوصف مختصاً بعلي ولا بالأئمة ، فإن الله ورسوله يحب كل مؤمن تقي ، يحب الله ورسوله ، لكن هذا الحديث من أحسن ما يحتج به على النواصب الذين لا يتولونه ، أو يكفرونه أو يفسقونه ، كالخوارج . لكن هذا الاحتجاج لا يتم على قول الرافضة الذين يجعلون النصوص الدالة على فضائل الصحابة كانت قبل ردتهم ، فإن الخوارج تقول في علي مثل ذلك ، ولكن هذا باطل ، فإن الله تعالى ورسوله لا يطلق مثل هذا المدح على من يعلم الله أنه يموت كافراً .
وفيه إثبات صفة المحبة خلافاً للجهمية ومن أخذ عنهم .
قوله : (يفتح الله على يديه) صريح فى البشارة بحصول الفتح ، فهو علم من أعلام النبوة .
قوله : (فبات الناس يدوكون ليلتهم) بنصب (ليلتهم) و يدوكون قال المصنف : يخوضون . أي فيمن يدفعها إليه . وفيه حرص الصحابة على الخير واهتمامهم به ، وعلو مرتبتهم فى العلم والإيمان .
قوله : (أيهم) هو برفع أي على البناء لإضافتها وحذف صدر صلتها .
قوله : (فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها) وفى رواية أبي هريرة عند مسلم أن عمر قال : - ما أحببت الإمارة إلا يومئذ - .
قال شيخ إلإسلام : إن فى ذلك شهادة النبى صلى الله عليه وسلم لعلي بإيمانه باطناً وظاهراً وإثباتاً لموالاته لله تعالى ورسوله ووجوب موالاة المؤمنين له ، وإذا شهد النبى صلى الله عليه وسلم لمعين بشهادة ، أو دعا له أحب كثير من الناس أن يكون له مثل تلك الشهادة ومثل ذلك الدعاء ، وإن كان النبى يشهد بذلك لخلق كثير ويدعو لخلق كثير ، وهذا كالشهادة بالجنة لثابت بن قيس .
وعبد الله بن سلام وإن كان شهد بالجنة لآخرين ، والشهادة بمحبة الله ورسوله للذي ضرب فى الخمر .
قوله : (فقال أين علي بن أبى طالب) فيه سؤال الإمام عن رعيته ، وتفقد أحوالهم .
قوله : (فقيل هو يشتكي عينيه) أي من الرمد ، كما فى صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص فقال : ادعوا لي علياً فأتي به أرمد الحديث ، وفى نسخة صحيحة بخط المصنف : فقيل هو يشتكي عينيه ، فأرسل إليه مبني للفاعل2 ، وهو ضمير مستتر في الفعل راجع إلى النبى صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون مبنياً لما لم يسم فاعله . ولمسلم من طريق إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال : فأرسلنى3 إلى علي فجئت به أقوده أرمد .
قوله : (فبصق) بفتح الصاد ، أي تفل .
وقوله (ودعا له فبرأ) هو بفتح الراء والهمزة4 ، أي عوفي في الحال ، عافية كاملة كأن لم يكن به وجع من رمد ولا ضعف بصر .
وعند الطبراني من حديث علي فما رمدت5 ولا صدعت منذ دفع النبي صلى الله عليه وسلم إلي الراية6 وفيه دليل على الشهادتين7 .
قوله (فأعطاه الراية) قال المصنف : فيه الإيمان بالقدر لحصولها لمن لم يسع ومنعها عمن سعى8 .
وفيه إن فعل الأسباب المباحة أو الواجبة أو المستحبة لا ينافي التوكل9 .
قوله (وقال انفذ على رسلك) بضم الفاء ، اي امض ورسلك بكسر الراء وسكون السين ، أي على رفقك من غير عجلة . وساحتهم فناء أرضهم وهو ما حولها10 .
وفيه : الأدب عند القتال وترك العجلة والطيش11 ، والأصوات التى لا حاجة إليها .
وفيه : أمر الإمام عماله بالرفق12 من غير ضعف ولا انتقاض عزيمة13 ، كما يشير إليه قوله ثم ادعهم إلى الإسلام14 أي الذي هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإن شئت قلت الإسلام : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله15 ، وما اقتضته الشهادتان من إخلاص العبادة لله وحده ، وإخلاص الطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم16 . ومن هنا طابق الحديث الترجمة17 كما قال تعالى لنبيه ورسوله : # 3 : 64 # - قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون - 18 .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : والإسلام هو الاستسلام لله19 ، وهو الخضوع له والعبودية له . كذا قال أهل اللغة .
وقال رحمه الله تعالى : ودين الإسلام الذي ارتضاه الله وبعث به رسله20 : هو الاستسلام له وحده ، فأصله فى القلب . والخضوع له وحده بعبادته وحده دون ما سواه . فمن عبده وعبد معه إلهاً آخر لم يكن مسلماً21 . ومن استكبر عن عبادته لم يكن مسلماً22 ، وفى الأصل : هو من باب العمل ، عمل القلب والجوارح . وأما الإيمان فأصله تصديق القلب ، وإقراره ومعرفته ، فهو من باب قول القلب المتضمن عمل القلب23 . انتهى .
فتبين أن أصل الإسلام هو التوحيد24 ونفي الشرك فى العبادة وهو دعوة جميع المرسلين ، وهو الاستسلام لله تعالى بالتوحيد ، والانقياد له بالطاعة فيما أمرهم به على ألسن رسله25 ، كما قال تعالى عن نوح أول رسول أرسله : # 71 : 3 # - أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون - 26 .
وفيه : مشروعية الدعوة قبل القتال ، لكن إن كانوا قد بلغتهم الدعوة جاز قتالهم ابتداء27 لأن النبى صلى الله عليه وسلم أغار على بنى المصطلق 28وهم غارون وإن كانوا لم تبلغهم الدعوة وجبت دعوتهم29 .
قوله وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه أي في الإسلام إذا أجابوك إليه فأخبرهم بما يجب من حقوقه التى لابد لهم من فعلها : كالصلاة والزكاة ، كما فى حديث أبى هريرة : - فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها - ولما قال عمر لأبي بكر فى قتاله مانعي الزكاة : - كيف تقاتل النساء وقد قال رسول الله صلى اله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله . فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها . قال أبو بكر : فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لقاتلتهم على منعها - .
وفيه : بعث إلإمام الدعاة إلى الله تعالى ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدون يفعلون ، كما فى المسند عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال فى خطبته : - ألا إني والله ما أرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم. ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسننكم - .