معنى اتخاذ الأنداد من دون الله
 

وقال أبو جعفر بن جرير فى معنى قول الله تعالى - وتجعلون له أنداداً - أي وتجعلون لمن خلق ذلك أنداداً وهم الأكفاء من الرجال تطيعونهم فى معاصى الله . انتهى .
قلت : كما هو الواقع من كثير ومن عباد القبور .
قال : (وقوله # 2 : 165 # - ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله - . . . .) الآية .
قال العماد ابن كثير رحمه الله : يذكر الله حال المشركين به فى الدنيا ومآلهم فى الدار الآخرة ، حيث جعلوا لله أنداداً ، أي أمثالاً ونظراء يعبدونهم معه ويحبونهم كحبه ، وهو الله لا إله إلا هو ، ولا ضد له ولا ند له ، ولا شريك معه . وفى لصحيحين عن - عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ؟ أي الذنب أعظم ؟ قال : أن تجعل لله نداً وهو خلقك - .
وقوله : - والذين آمنوا أشد حباً لله - ولحبهم لله تعالى وتمام معرفتهم به وتوقيرهم وتوحيدهم لا يشركون به شيئاً . بل يعبدونه وحده ويتوكلون عليه ، ويلجأون فى جميع أمورهم إليه . ثم توعد تعالى المشركين به ، الظالمين لأنفسهم بذلك . فقال تعالى : - ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً - قال بعضهم تقدير الكلام ، لو عاينوا العذاب لعلموا حينئذ أن القوة لله جميعاً ، أي أن الحكم له وحده لا شريك له ، فإن جميع الأشياء تحت قهره وغلبته وسلطانه - وأن الله شديد العذاب - كما قال تعالى : # 89 : 25 ، 26 # - فيومئذ لا يعذب عذابه أحد * ولا يوثق وثاقه أحد - يقول : لو علموا ما يعانون هناك وما يحل بهم من الأمر الفظيع المنكر الهائل على شركهم وكفرهم لانتهوا عما هم فيه من الضلال . ثم أخبر عن كفرهم بأعوانهم وتبرؤ المتبوعين من التابعين . فقال تعالى : - إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا - ترأت منهم الملائكة الذين كانوا يزعمون أنهم يعبدونهم فى الدار الدنيا ، فتقول الملائكة # 28 : 63 # - تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون - ويقولون # 34 : 41 # - سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون - الجن أيضاً يتبرأون منهم ويتنصلون من عبادتهم لهم ، كما قال تعالى : # 46 : 5 ، 6 # - ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين - . انتهى كلامه .
روى ابن جرير عن كلامه في قوله تعالى - يحبونهم كحب الله - مباهاة ومضاهاة للحق سبحانه بالأنداد - والذين آمنوا أشد حباً لله - من الكفار لأوثانهم .
قال المصنف رحمه الله تعالى (ومن الأمور المبينة لتفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله : آية البقرة في الكفار الذين قال تعالى فيهم - وما هم بخارجين من النار - ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب الله ، فدل على أنهم يحبون الله حباً عظيماً ، فلم يدخلوا في الإسلام ، فكيف بمن أحب الند أكبر من حب الله ؟ فكيف بمن لم يحب إلا الند وحده ؟) ا هـ .
ففى الآية بيان أن من أشرك مع الله تعالى غيره فى المحبة فقد جعله شريكاً لله فى العبادة واتخذه نداً من دون الله ، وأن ذلك هو الشرك الذى لا يغفره الله ، كما قال تعالى فى أولئك - وما هم بخارجين من النار - وقوله : - ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب - المراد بالظلم هنا الشرك . كقوله : # 7 : 82 # - ولم يلبسوا إيمانهم بظلم - كما تقدم . فمن أحب الله وحده ، وأحب فيه وله فهو مخلص ، ومن أحبه وأحب معه غيره ، فهو مشرك ، كما قال تعالى : # 2 : 21 ، 22 # - يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون * الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون - .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما معناه : فمن رغب إلى غير الله فى قضاء حاجة أو تفريج كربة : لزم أن يكون محباً له ومحبته هى الأصل فى ذلك . انتهى .
فكلمة الإخلاص لا إله إلا الله تنفى كل شرك . فى أى نوع كان من أنواع العبادة ، وتثبت العبادة بجميع أفرادها لله تعالى . وقد تقدم بيان أن الإله هو المألوه الذى تألهه القلوب بالمحبة وغيرها من أنواع العبادة فلا إله إلا الله ، نفت ذلك كله عن غير الله ، وأثبتته لله وحده . فهذا هو ما دلت عليه كلمة الإخلاص مطابقة ، فلابد من معرفة معناها واعتقاده ، وقبوله ، والعمل به باطناً وظاهراً . والله أعلم .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى : فتوحيد المحبوب أن لا يتعدد محبوبه ، أى مع الله تعالى بعبادته له ، وتوحيد الحب : أن لا يبقى فى قلبه بقية حب حتى يبذلها له ، فهذا الحب - وإن سمى عشقاً - فهو غاية صلاح العبد ونعيمه وقرة عينه ، وليس لقلبه صلاح ولا نعيم إلا بأن يكون الله ورسوله أحب إليه من كل ما سواهما ، وأن تكون محبته لغير الله تابعة لمحبة الله تعالى ، فلا يحب إلا الله ، ولا يحب إلا الله ، كما فى الحديث الصحيح ثلاث من كن فيه الحديث ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم هى من محبة الله ، ومحبة المرء إن كانت لله فهى من محبته ، وإن كانت لغير الله فهى منقصة لمحبة الله مضعفة لها ، ويصدق هذه المحبة بأن تكون كراهيته لأبغض الأشياء إلى الله محبوبه وهو الكفر - بمنزلة كراهيته لإلقائه فى النار أو أشد ، ولا ريب أن هذا من أعظم المحبة ، فإك الإنسان لا يقدم على محبة نفسه وحياته شيئاً ، فإذا قدم محبة الإيمان بالله على نفسه بحيث لو خير بين الكفر وبين إلقائه فى النار لاختار أن يلقى فى النار ولا يكفر ، كان أحب إليه من نفسه ، وهذه المحبة هى فوق ما يجده العشاق المحبون من محبة محبوبيهم ، بل لا نظير لهذه المحبة . كما لا مثل لمن تعلقت به ، وهى محبة تقتضى تقديم المحبوب فيها على النفس والمال والولد . وتقتضى كمال الذل والخضوع والتعظيم والإجلال والطاعة والانقياد ظاهراً وباطناً . وهذا لا نظير له فى محبة المخلوق ، ولو كان المخلوق من كان . ولهذا من أشرك بين الله وبين غيره فى هذه المحبة الخاصة كان مشركاً شركاً لا يغفره الله . كما قال تعالى : - ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله - والصحيح : أن معنى الاية : أن الذين آمنوا أشد حباً من الله أهل الأنداد لأندادهم . كما تقدم أن محبة المؤمنين لربهم لا يماثلها محبة مخلوق أصلاً ، كما لا يماثل محبوبهم غيره ، وكل أذى فى محبة غيره فهو نعيم فى محبته . وكل مكروه فى محبة غيره فهو قرة عين محبته . ومن ضرب لمحبته الأمثال التى فى محبة المخلوق للمخلوق : كالوصل ، والهجر والتجنى بلا سبب من المحب ، وأمثال ذلك مما يتعالى الله عنه علواً كبيراً . فهو مخطىء أقبح الخطأ وأفحشه ، وهو حقيق بالإبعاد والمقت . انتهى .