من هو الذي يحرم ماله ودمه
 

(وفى - الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله ) - قوله فى الصحيح : أى صحيح مسلم عن أبى مالك الأشجعى عن أبيه عن النبى صلى الله عليه وسلم فذكره .
وأبو مالك اسمه سعد بن طارق ، كوفى ثقة مات فى حدود الأربعين ومائة . وأبوه طارق بن أشيم - بالمعجمة والمثناة التحتية وزن أحمر - ابن مسعود الأشجعى ، صحابى له أحاديث . قال مسلم : لم يرو عنه غير ابنه . وفى مسند الامام أحمد عن أبى مالك قال : وسمعته يقول للقوم : - من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل - ورواه الامام أحمد من طريق يزيد بن هارون قال أخبرنا أبو مالك الأشجعى عن أبيه . ورواه أحمد عن عبد الله بن إدريس قال : سمعت أبا مالك قال : قلت لأبى - الحديث . ورواية الحديث بهذا اللفظ تفسر : لا إله إلا الله .
قوله : (من قال لا إله إلا الله وكفر يما يعبد من دون الله) اعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم علق عصمة المال والدم فى هذا الحديث بأمرين .
الأول : قول لا إله إلا الله عن علم ويقين ، كما هو قيد فى قولها فى غير ما حديث كما تقدم .
والثانى : الكفر بما يعبد من دون الله ، فلم يكتف باللفظ المجرد عن المعنى ، بل لابد من قولها والعمل بها .
قلت : وفيه معنى # 2 : 256 # - فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها -

قال المصنف رحمه الله تعالى : (وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله ، فإنه لم يجعل اللفظ بها عاصماً للدم والمال ، بل ولا معرفة معناها مع لفظها ، بل ولا الإقرار بذلك ، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له ، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله ، فإن شك أو تردد لم يحرم ماله ودمه . فيا لها من مسألة ما أجلها ويا له من بيان ما أوضحه ، وحجة ما أقطعها للمنازع) انتهى .
قلت : وهذا هو الشرط المصحح لقوله : لا إله إلا الله فلا يصح قولها بدون هذا الخمس التى ذكرها المصنف رحمه الله أصلاً . قال تعالى : # 8 : 39 # - وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله - وقال : - فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم - أمر بقتالهم حتى يتوبوا من الشرك ويخلصوا أعمالهم لله تعالى، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإن أبوا عن ذلك أو بعضه قوتلوا إجماعاً .
وفى صحيح مسلم عن - أبى هريرة مرفوعاً أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، ويؤمنوا بى وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله - وفى - الصحيحين عن ابن عمر قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة . فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله - وهذان الحديثان تفسير الآيتين : آية الأنفال ، وآية براءة . وقد أجمع العلماء على أن من قال : لا إله إلا الله ولم يعتقد معناها ولم يعمل بمقتضاها . أنه يقاتل حتى يعمل بما دلت عليه من النفى والإثبات .
قال أبو سليمان الخطابى رحمه الله فى قوله : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله معلوم أن المراد بهذا أهل عبادة الأوثان ، دون أهل الكتاب ، لأنهم يقولون : لا إله إلا الله ثم يقاتلون ولا يرفع عنهم السيف .
وقال القاضى عياض : اختصاص عصمة المال والنفس بمن قال لا إله إلا الله تعبير عن الإجابة إلى الإيمان ، وأن المراد بذلك مشركو العرب وأهل الأوثان ، فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد ، فلا يكتفى فى عصمته بقول لا إله إلا الله إذ كان يقولها فى كفره.
انتهى ملخصاً .
وقال النووى : لابد مع هذا من الإيمان بجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء فى الرواية ويؤمنوا بى وبما جئت به .
وقال شيخ الإسلام ، لما سئل عن قتال التتار فقال : كل طائفة ممتنعة عن التزام شرائع الإسلام الظاهرة من هؤلاء القوم أو غيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه ، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه . كما قاتل أبو بكر والصحابة رضى الله عنهم مانعى الزكاة . وعلى هذا اتفق الفقهاء بعدهم . قال : فأيما طائفة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضات أو الصيام ، أو الحج أو عن التزام تحريم الدماء ، أو الأموال أو الخمر ، أو الميسر أو نكاح ذوات المحارم ، أو عن التزام جهاد الكفار . أو غير ذلك من التزام واجبات الدين ومحرماته التى لا عذر لأحد فى جحودها أو تركها ، التى يكفر الواحد بجحودها . فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها ، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء . قال : وهؤلاء عند المحققين ليسوا بمنزلة البغاة ، بل هم خارجون عن الإسلام . انتهى .
قوله : (وحسابه على الله) أي الله تبارك وتعالى هو الذى يتولى حساب الذي يشهد بلسانه بهذه الشهادة ، فإن كان صادقاً جازاه بجنات النعيم ، وإن كان منافقاً عذبه العذاب الأليم . وأما فى الدنيا فالحكم على الظاهر ، فمن أتى بالتوحيد ولم يأت بما ينافيه ظاهراً والتزم شرائع الإسلام وجب الكف عنه .
قلت : وأفاد الحديث أن الإنسان قد يقول لا إله إلا الله ولا يكفر بما يعبدون من دون الله فلم يأت بما يعصم دمه وماله كما دل على ذلك الآيات المحكمات والأحاديث .
قوله : (وشرح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب) قلت : وأن ما بعدها من الأبواب فيه ما يبين التوحيد ويوضح معنى لا إله إلا الله وفيه أيضاً : بيان أشياء كثيرة من الشرك الأصغر والأكبر وما يوصل إلى ذلك من الغلو والبدع ، مما تركه من مضمون لا إله إلا الله فمن عرف ذلك وتحققه تبين له معنى لا إله إلا الله وما دلت عليه من الإخلاص ونفى الشرك ، وبضدها تتبين الأشياء ، فبمعرفة الأصغر من الشرك يعرف ما هو أعظم منه من الشرك الأكبر المنافى للتوحيد ، وأما الأصغر فإنما ينافى كماله ، فمن اجتنبه فهو الموحد حقاً ، وبمعرفة وسائل الشرك والنهى عنها لتجتنب تعرف الغايات التى نهى عن الوسائل لأجلها ، فإن اجتناب ذلك كله يستلزم التوحيد والإخلاص بل يقتضيه . وفيه أيضاً من أدلة التوحيد إثبات الصفات وتنزيه الرب تعالى عما لا يليق بجلاله وكل ما يعرف بالله من صفات كماله وأدلة ربوبيته يدل على أنه هو المعبود وحده ، وأن العبادة لا تصلح إلا له ، وهذا هو التوحيد ، ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله .