من الشرك اتخاذ الحلقة والخيط ونحوهما
 

قوله : (باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما ، لرفع البلاء أو دفعه)
رفعه : إزالته بعد نزوله . دفعه : منعه قبل نزوله .
قال : (وقول الله تعالى : # 36 : 38 # - قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته - ) .
قال ابن كثير : أي لا تستطيع شيئاً من الأمر (قل حسبى الله) أي الله كافى من توكل عليه (عليه يتوكل المتوكلون) كما قال هود عليه السلام حين قال قومه # 11 : 54 - 56 # - إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم - قال مقاتل فى معنى الآية : فسألهم النبى صلى اله عليه وسلم فسكتوا . أي لأنهم لا يعتقدون ذلك فيها.
وإنما كانوا يدعونها على معنى أنها وسائط وشفعاء عند الله ، لا على أنهم يكشفون الضر ، ويجيبون دعاء المضطر، فهم يعلمون أن ذلك لله وحده . كما قال تعالى : # 16 : 53 ، 54 # - ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون * ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون - .
قلت : فهذه الآية وأمثالها تبطل تعلق القلب بغير الله فى جلب أو دفع ضر ، وأن ذلك شرك بالله . وفى الآية بيان أن الله تعالى وسم أهل الشرك بدعوة غير الله والرغبة إليه من دون الله . والتوحيد ضد ذلك . وهو أن لا يدعو إلا الله ، ولا يرغب إلا إليه ، ولا يتوكل إلا عليه ، وكذا جميع أنواع العبادة لا يصلح منها شئ لغير الله . كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها كما تقدم .

حديث عمران بن حصين في تعليق الحلقة وأنها لا تزيد صاحبها إلا وهناص
قال : ( - وعن عمران بن حصين أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً فى يده حلقة من صفر فقال : ما هذه ؟ قال: من الواهنة. قال : انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً ، فإنك لو مت وهى عليك ما أفلحت أبداً - رواه أحمد بسند لا بأس به) .
قال الإمام أحمد : حدثنا خلف بن الوليد حدثنا المبارك عن - الحسن قال : أخبرنى عمران بن حصين أن النبى صلى الله عليه وسلم أبصر على عضد رجل حلقة - قال أراها من صفر - فقال : ويحك ما هذه ؟ قال : من الواهنة . قال : أما إنها لا تزيدك إلا وهناً . انبذها عنك فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً - رواه ابن حبان في صحيحه فقال : فإنك لو مت وكلت إليها والحاكم وقال: صحيح الإسناد ، وأقره الذهبي ، وقال الحاكم : أكثر مشايخنا على أن الحسن سمع من عمران ، وقوله في الإسناد : أخبرني عمران يدل على ذلك .
قوله (عن عمران بن حصين) أي ابن عبيد خلف الخذاعي ، أبو نجيد -بنون وجيم- مصغر ، صحابي عن صحابي ، أسلم عام خيبر، ومات سنة اثنتين وخمسين بالبصرة .
قوله (رأى رجلاً) في رواية الحاكم دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عضدي حلقة صفر ، فقال : ما هذه الحديث فالمبهم في رواية أحمد هو عمران راوي الحديث .
قوله (ما هذه) يحتمل أن الاستفهام للاستفسار عن سبب لبسها ، ويحتمل أن يكون للإنكار وهو أشهر .
قوله : (من الواهنة) قال أبو السعادات : الواهنة عرق يأخذ في المنكب واليد كلها ، فيرقى منها ، وقيل هو مرض يأخذ في العضد ، وهي تأخذ الرجال دون النساء وإنما نهى عنها لأنه إنما اتخذها على أنها تعصمه من الألم ، وفيه اعتبار المقاصد .
قوله(انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً) النزع هو الجذب بقوة ، أخبر أنها لا تنفعه بل تضره وتزيده ضعفاً ، وكذلك كل أمر نهى عنه فإنه لا ينفع غالباً وإن نفع بعضه فضره أكبر من نفعه .
قوله (فإنك لو مت وهو عليك ما أفلحت أبداً) لأنه شرك ، والفلاح هو الفوز والظفر والسعادة
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فيه شاهد لكلام الصحابة : إن الشرك الأصغر أكبر الكبائر ، وأنه لم يعذر بالجهالة . وفيه الإنكار بالتغليظ على من فعل مثل ذلك ) .
قوله : ( رواه أحمد بسند لا بأس به ) هو الإمام أحمد بن حنبل بن هلال ابن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حسان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن ابن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسعد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان _ الإمام العالم أبو عبد الله الذهلي ثم الشيباني المروزي ثم البغدادي ، إمام أهل عصره وأعلمهم بالفقه والحديث ، وأشدهم ورعاً ومتابعة للسنة ، وهو الذي يقول فيه بعض أهل السنة : عن الدنيا ما كان أصبره ، وبالماضين ما كان أشبهه ، أتته الدنيا فأباها ، والشبه فنفاها ، خرج به من مرو وهو حمل فولد ببغداد سنة أربع وستين ومائة في شهر ربيع الأول .
وطلب أحمد العلم سنة وفاة مالك ، وهي سنة تسع وسبعين فسمع من هشيم وجرير بن عبد الحميد وسفيان بن عيينة ومعتمر بن سليمان ويحيى بن سعيد القطان ومحمد بن إدريس الشافعي ويزيد بن هرون وعبد الرزاق وعبد الرحمن بن مهدي وخلق لا يحصون بمكة والبصرة والكوفة وبغداد واليمن وغيرها من البلاد . روى عنه ابناه صالح وعبد الله ، والبخاري ومسلم وأبو داود وإبراهيم الحربي وأبو زرعة الرازي وأبو زرعة الدمشقي وعبد الله بن أبي الدنيا وأبو بكر الأثرم وعثمان بن سعيد الدارمي وأبو القاسم البغوى ، وهو آخر من حدث عنه ، وروى عنه من شيوخه عبد الرحمن بن مهدي والأسود بن عامر ، ومن أقرانه علي المديني ويحيى بن معين . قال البخاري : مرض أحمد لليلتين خلتا من ربيع الأول ومات يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت منه ، وقال حنبل : مات يوم الجمعة في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومائتين وله سبع وسبعون سنة . وقال ابنه عبد الله والفضل بن زياد : مات في ثاني عشر ربيع الآخر رحمه الله تعالى .