حديث من تعلق تميمة فلا أتم الله له إلخ
 

قوله : ( وله عن عقبة بن عامر مرفوعاً من تعلق تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له وفي رواية : من تعلق تميمة فقد أشرك ) الحديث الأول رواه الإمام أحمد كما قال المصنف ، ورواه أيضاً أبو يعلى والحاكم وقال : صحيح الإسناد وأقره الذهبى .
قوله : (وفى رواية) أي من حديث آخر رواه أحمد فقال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا عبد العزيز بن مسلم حدثنا يزيد بن أبي منصور عن دجين الحجرى عن عقبة بن عامر الجهنى - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد ، فقالوا يا رسول الله ، بايعت تسعة وأمسكت عن هذا ؟ فقال : إن عليه تميمة فأدخل يده فقطعها ، فبايعه وقال : من تعلق تميمة فقد أشرك - ورواه الحاكم ونحوه . ورواته ثقات .
قوله : (عن عقبة بن عامر) صحابى مشهور فقيه فاضل ، ولى إمارة مصر لمعاوية ثلاث سنين ومات قريباً من الستين .
قوله : (من تعلق تميمة) أي علقها متعلقاً بها قلبه فى طلب خير أو دفع شر ، قال المنذري : خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع عنهم الآفات ، وهذا جهل وضلالة ، إذ لا مانع ولا دافع غير الله تعالى .
وقال أبو السعادات : التمائم جمع تميمة وهى خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين ، فى زعمهم ، فأبطلها الإسلام .
قوله : (فلا أتم الله له) دعاء عليه .
قوله : (ومن تعلق ودعة) بفتح الواو وسكون المهملة . قال فى مسند الفردوس : شئ يخرج من البحر يشبه الصدف يتقون به العين .
قوله : (فلا ودع الله له) بتخفيف الدال ، أي لا جعله في دعة وسكون ، قال أبو السعادات وهذا دعاء عليه .
قوله : ( وفي رواية : من تعلق تميمة فعد أشرك ) قال أبو السعادات : إنما جعلها شركاً لأنهم أرادوا دفع المقادير المكتوبة عليهم ، وطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه .
قال المصنف رحمه الله (ولابن أبي حاتم عن حذيفة ) أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى ، فقطعه ، وتلا قوله تعالى : [ 12 : 106 ] - وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون - .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن الحسين بن إبراهيم بن أشكاب حدثنا يونس بن محمد حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم الأحول عن عروة قال : دخل حذيفة على مريض ، فرأى في عضده سيراً فقطعه أو انتزعه . ثم قال : - وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون - .
وابن أبي حاتم هو الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي التميمي الحنظلي الحافظ ، صاحب الجرح والتعديل والتفسير وغيرهما مات سنة سبع وعشرين وثلاثمائة .
وحذيفة هو ابن اليمان . واسم اليمان : حسيل بمهملتين مصغراً ، ويقال حسل - بكسر ثم سكون - العبسي بالموحدة ، حليف الأنصار ، صحابي جليل من السابقين ويقال له صاحب السر وأبوه أيضاً صحابي ، مات حذيفة في أول خلافة علي رضي الله عنه سنة ست وثلاثين .
قوله : ( رأى رجلاً في يده خيط من الحمى ) أي عن الحمى . وكان الجهال يعلقون التمائم والخيوط ونحوها لدفع الحمى وروى وكيع عن حذيفة : أنه دخل على مريض يعوده فلمس عضده ، فإذا فيه خيط ، فقال : ما هذا ؟ قال : شئ رقى لي فيه ، فقطعه وقال : لو مت وهو عليك ما صليت عليك وفيه إنكار مثل هذا ، وإن كان يعتقد أنه سبب ، فالأسباب لا يجوز منها إلا ما أباحه الله تعالى ورسوله مع عدم الاعتماد عليها . وأما التمائم والخيوط والحروز والطلاسم ونحو ذلك مما يعلقه الجهال فهو شرك يجب إنكاره وازالته بالقول والفعل ، وإن لم يأذن فيه صاحبه .

قوله : (وتلا قوله : - وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون - استدل حذيفة رضي الله عنه بالآية على أن هذا شرك . ففيه صحة الاستدلال على الشرك الأصغر بما أنزله الله فى الشرك الأكبر ، لشمول الآية ودخوله فى مسمى الشرك ، وتقدم معنى هذه الآية عن ابن عباس وغيره فى كلام شيخ الإسلام وغيره . والله أعلم . وفى هذه الآثار عن الصحابة : ما يبين كمال علمهم بالتوحيد وما ينافيه أو ينافى كماله .