باب لا يذبح مكان يذبح فيه لغير الله
 

قوله : باب : لا يذبح بمكان يذبح فيه لغير الله تعالى
لا نافية ويحتمل أنها للنهى وهو أظهر ، قوله : وقول الله تعالى # 9 : 108 # - لا تقم فيه أبدا - الآية قال المفسرون إن الله تعالى نهى رسوله عن الصلاة في مسجد الضرار ، والأمة تبع له في ذلك ، ثم إنه تعالى حثه على الصلاة في مسجد قباء الذي أسس من أول يوم بنى على التقوى، وهي طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وجمعاً لكلمة المؤمنين ومعقلاً ومنزلاً للإسلام وأهله ، ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : - صلاة في مسجد قباء كعمرة - وفي الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور قباء راكباً وماشياً وقد صرح أن المسجد المذكور في الآية هو مسجد قباء جماعة من السلف ، منهم ابن عباس ، وعروة ، والشعبي ، والحسن وغيرهم .
قلت : ويؤيده قوله في الآية - فيه رجال يحبون أن يتطهروا - وقيل هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث أبي سعيد قال : - تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ، فقال رجل : هو مسجد قباء . وقال الآخر : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو مسجدي هذا - رواه مسلم ، وهو قول عمر وابنه وزيد ابن ثابت وغيرهم .
قال ابن كثير : وهذا صحيح . ولا منافاة بين الآية والحديث . لأنه إذا كان مسجد قباء قد أسس على التقوى من أول يوم ، فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى ، وهذا بخلاف مسجد الضرار الذي أسس على معصية الله كما قال تعالى : # 9 : 107 # - والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون - . فلهذه الأمور نهى الله نبيه عن القيام فيه للصلاة . وكان الذي بنوه جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل خروجه إلى غزوة تبوك فسألوه أن يصلي فيه ، وأنهم إنما بنوه للضعفاء وأهل العلقة في الليلة الشاتية ، فقال : - إنا على سفر ، ولكن إذا رجعنا إن شاء الله - فلما قفل عليه السلام راجعاً إلى المدينة ، ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعضه نزل الوحي بخبر المسجد ، فبعث إليه فهدمه قبل قدومه إلى المدينة . وجه مناسبة الآية للترجمة : أن المواضع المعدة للذبح لغير الله يجب اجتناب الذبح فيها لله ، كما أن هذا المسجد لما أعد لمعصية الله صار محل غضب لأجل ذلك ، فلا تجوز الصلاة فيه لله . وهذا قياس صحيح يؤيده حديث ثابت الضحاك الآتى .
قوله : - فيه رجال يحبون أن يتطهروا - روى الإمام أحمد وابن خزيمة وغيرهما عن عويم بن ساعدة الأنصاري - أن النبي صلى الله عليه وسلم آتاهم في مسجد قباء فقال : إن الله قد أحسن عليكم الثناء بالطهور في قصة مسجدكم ، فما هذا الطهور الذي تطهرون به ؟ فقالوا : والله يا رسول الله ما نعلم شيئاً إلا أنه كان لنا جيران من اليهود كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط ، فغسلنا كما غسلوا - وفي رواية عن جابر وأنس هو ذاك فعليكموه رواه ابن ماجه وابن أبي حاتم والدارقطني والحاكم .
قوله : - والله يحب المطهرين - قال أبو العالية : إن الطهور بالماء لحسن ولكنهم المتطهرون من الذنوب . وفيه إثبات صفة المحبة، خلافاً للأشاعرة ونحوهم .