باب من الشرك النذر لغير الله
 

قوله : ( باب من الشرك النذر لغير الله تعالى )
أي لكونه عبادة يجب الوفاء به إذا نذره لله . فيكون النذر لغير الله تعالى شركاً في العبادة .
وقوله تعالى : # 76 : 7 # - يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً - فالآية دلت على وجوب الوفاء بالنذر ومدح من فعل ذلك طاعة لله ووفاء بما تقرب به إليه .
وقوله تعالى : # 2 : 270 # - وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه - .
قال ابن كثير : يخبر تعالى أنه عالم بجميع ما يعله العاملون من الخيرات ، من النفقات والمنذورات ، وتضمن ذلك مجازاته على ذلك أوفر الجزاء للعاملين إبتغاء وجهه . ا هـ .
إذا علمت ذلك : فهذه النذور الواقعة من عباد القبور ، تقرباً بها إليهم ليقضوا لهم حوائجهم وليشفعوا لهم ، كل ذلك شرك في العبادة بلا ريب . كما قال تعالى : # 6 : 136 # - وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون - .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : وأما ما نذر لغير الله كالنذر للأصنام والشمس والقمر والقبور ونحو ذلك ، فهو بمنزلة أن يحلف بغير الله من المخلوقات . والحالف بالمخلوقات لا وفاء عليه ولا كفارة ، وكذلك الناذر للمخلوقات . فإن كلاهما شرك . والشرك ليس له حرمة ، بل عليه أن يستغفر الله من هذا ويقول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم : - من حلف وقال في حلفه : واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله - .
وقال فيمن نذر سمعة أو نحوها دهناً لتنور به ويقول : إنها تقبل النذر كما يقوله بعض الضالين ـ : وهذا النذر معصية باتفاق المسلمين لا يجوز الوفاء به وكذلك إذا نذر مالاً للسدنة أو المجاورين العاكفين بتلك البقعة . فإن فيهم شبهاً من السدنة التي كانت عند اللات والعزى ومناة ، يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله . والمجاورون هناك فيهم شبه من الذين قال فيهم الخليل عليه السلام : - ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون - والذين اجتاز بهم موسى عليه السلام وقومه ، قال تعالى : # 7 : 138 # - وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم - فالنذر لأولئك السدنة والمجاورين في هذه البقاع نذر معصية . وفيه شبه من النذر لسدنة الصلبان والمجاورين عندها ، أو لسدنة الأبداد في الهند والمجاورين عندها .
وقال الرافعى في شرح المنهاج : وأما النذر للمشاهد التي على قبر ولى أو شيخ أو على إسم من حلها من الأولياء ، أو تردد في تلك البقعة من الأولياء والصالحين فإن قصد الناذر بذلك ـ وهو الغالب أو الواقع من قصود العامة تعظيم البقعة والمشهد ، أو الزاوية ، أو تعظيم من دفن بها أو نسبت إليه ، أو بنيت على اسمه فهذا النذر باطل غير منعقد ، فإن معتقدهم أن لهذه الأماكن خصوصيات ، ويرون أنها مما يدفع بها البلاء ويستجلب بها النعماء ، ويستشفى بالنذر لها من الأدواء حتى إنهم ينذرون لبعض الأحجار لما قيل لهم : إنه استند إليها عبد صالح وينذرون لبعض القبور السرج والشموع والزيت ، ويقولون إنها تقبل النذر كما يقوله البعض يعنون بذلك أنه يحصل به الغرض المأمول من شفاء مريض ، أو قدوم غائب أو سلامة مال ، وغير ذلك من أنواع المجازاة ، فهذا النذر على الوجه باطل لا شك فيه ، بل نذر الزيت والشمع ونحوهما للقبور باطل مطلقاً . ومن ذلك نذر الشموع الكثيرة العظيمة وغيرها لقبر الخليل عليه السلام ولقبر غيره من الأنبياء والأولياء ، فإن الناذر لا يقصد بذلك الإيقاد على القبر إلا تبركاً وتعظيماً ، ظاناً أن ذلك قربة ، فهذا مما لا ريب في بطلانه ، والإيقاد المذكور محرم ، سواء انتفع به هناك منتفع أم لا .
قال الشيخ قاسم الحنفى في شرح درر البحار : النذر الذي ينذره أكثر العوام على ما هو مشاهد ، كأن يكون للإنسان غائب أو مريض أو له حاجة ، فيأتي إلى بعض الصلحاء ويجعل على رأسه ستره ، ويقول : يا سيدي فلان إن رد الله غائبي أو عوفى مريضي ، أو قضيت حاجتي فلك من الذهب كذا ، أو من الفضة كذا ، أو من الطعام كذا ، أو من الماء كذا ، أو من الشمع والزيت . فهذا النذر باطل بالإجماع لوجوه ، منها : أنه نذر لمخلوق ، والنذر للمخلوق لا يجوز ، لأنه عبادة والعبادة لا تكون لمخلوق ، ومنها أن المنذور له ميت ، والميت لا يملك ، ومنها أنه ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله ، واعتقاد ذلك كفر ـ إلى أن قال : إذا علمت هذا فما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت وغيرها وينقل إلى ضرائح الأولياء تقرباً إليها فحرام بإجماع المسلمين.
نقله عنه ابن نجيم في البحر الرائق ، ونقله المرشدى في تذكرته وغيرهما عنه وزاد: قد ابتلى الناس بهذا لا سيما في مولد البدوى.
وقال الشيخ صنع الله الحلبي الحنفي في الرد على من أجاز الذبح والنذر للأولياء : فهذا الذبح والنذر إن كان على اسم فلان فهو لغير الله ، فيكون باطلاً . وفي التنزيل # 6 : 121 # - ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه - # 6 : 162 # - قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له - والنذر لغير الله إشراك مع الله ، كالذبح لغيره .