باب من الشرك الاستعاذة بغير الله
 

قوله : ( باب : من الشرك الاستعاذة بغير الله )
الاستعاذة الالتجاء والاعتصام ، ولهذا يسمى المستعاذ به : معاذاً وملجأ فالعائذ بالله قد هرب مما يؤذيه أو يهلكه ، إلى ربه ومالكه ، واعتصم واستجار به والتجأ إليه ، وهذا تمثيل ، وإلا فما يقوم بالقلب من الالتجاء إلى الله ، والاعتصام به ، والانطراح بين يدى الرب ، والافتقار ، والتذليل له ، أمر لا تحيط به العبارة . قاله ابن القيم رحمه الله .
وقال ابن كثير : الاستعاذة هي الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابه من شر كل ذى شر . والعياذ يكون لدفع الشر . واللياذ لطلب الخير . انتهى .
قلت : وهي من العبادات التي أمر الله تعالى بها عباده ، كما قال تعالى : # 41 : 36 # - وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم - وأمثال ذلك في القرآن كثير كقوله : - قل أعوذ برب الفلق - و - قل أعوذ برب الناس - فما كان عبادة لله فصرفه لغير الله شرك في العبادة ، فمن صرف شيئاً من هذه العبادات لغير الله جعله شريكاً لله في عبادته ونازع الرب في إلهيته كما أن من صلى لله صلى لغيره يكون عابداً لغير الله ، ولا فرق ، كما سيأتي تقريره قريباً إن شاء الله تعالى .
قوله : وقول الله تعالى : # 72 : 6 # - وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً - .
قال ابن كثير : أي كنا نرى أن لنا فضلاً على الإنس لأنهم كانوا يعوذون بنا ، أي إذا نزلوا وادياً أو مكاناً موحشاً من البراري وغيرها كما كانت عادة العرب في جاهليتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم بشئ يسوءهم ، كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته ، فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم رهقاً ، أي خوفاً وإرهاباً وذعراً ، حتى يبقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذاً بهم ـ إلى أن قال ـ قال أبو العالية والربيع وزيد بن أسلم رهقاً أي خوفاً . وقال العوفي عن ابن عباس فزادوهم رهقاً أي إثماً ، وكذا قال قتادة . ا هـ .
وذاك أن الرجل من العرب كان إذا أمسى بواد قفر وخاف على نفسه قال : أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه ، يريد كبير الجن ، وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز الاستعاذة بغير الله .
وقال ملا على قاري الحنفي : لا يجوز الاستعاذة بالجن . فقد ذم الله الكافرين على ذلك وذكر الآية وقال : قال تعالى # 6: 128 # - ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم - فاستمتاع الإنسى بالجني في قضاء حوائجه وامتثال أوامره وإخباره بشئ من المغيبات ، واستمتاع الجنى بالإنسى تعظيمه إياه ، وإستعاذته به وخضوعه له . انتهى ملخصاً .
قال المصنف : وفيه أن كون الشئ يحصل به منفعة دنيوية لا يدل على أنه ليس من الشرك .