باب من الشرك الاستعانة بغير الله ودعاء غير الله
 

قوله : ( باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره )
قال شيخ الإسلام رحمه الله : الاستغاثة والدعاء أن الاستغاثة لا تكون إلا من المكروب ، والدعاء أعم من الاستغاثة ، لأنه يكون من المكروب وغيره . فعطف الدعاء على الاستغاثة من عطف العام على الخاص . فبينهما عموم وخصوص مطلق ، يجتمعان في مادة وينفرد الدعاء عنها في مادة ، فكل استغاثة دعاء ، وليس كل دعاء استغاثة .
وقوله : أو يدعو غيره اعلم أن الدعاء نوعان : دعاء عبادة ، ودعاء مسألة ، ويراد به في القرآن هذا تارة ، وهذا تارة ، ويراد به مجموعهما فدعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو كشف ضر ، ولهذا أنكر الله على من يدعو أحداً من دونه ممن لا يملك ضراً ولا نفعاً ، كقوله تعالى : # 5 : 76 # - قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً والله هو السميع العليم - وقوله : # 6 : 71 # - قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين - وقال : # 10 : 106 # - ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين - .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة ، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة ، قال الله تعالى : # 7 : 55 # - ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين - وقال تعالى : # 6 : 40 ، 41 # - قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين * بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون - وقال تعالى : # 13 : 14 # - له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال - وأمثال هذا في القرآن في دعاء المسألة أكثر من أن يحصر ، وهو يتضمن دعاء العبادة ، لأن السائل أخلص سؤاله لله ، وذلك من أفضل العبادات ، وكذلك الذاكر لله والتالي لكتابه ونحوه ، طالب من الله في المعنى ، فيكون داعياً عابداً .
فتبين بهذا من قول شيخ الإسلام أن دعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة كما أن دعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة ، وقد قال الله تعالى عن خليله : # 19 ، 48 ، 49 # - وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا * فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا - فصار الدعاء من أنواع العبادة ، فإن قوله : - وأدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا - كقول زكريا : # 19 : 4 # - إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا - . وقد أمر الله تعالى به في مواضع من كتابه كقوله : # 7 : 55 ، 56 # - ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين * ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين - وهذا هو دعاء المسألة المتضمن للعبادة ، فإن الداعي يرغب إلى المدعو ويخضع له ويتذلل .
وضابط هذا : أن كل أمر شرعه الله لعباده وأمرهم به ففعله لله عبادة ، فإذا صرف من تلك العبادة شيئاً لغير الله فهو مشرك مصادم لما بعث به رسوله من قوله : # 39 : 14 # - قل الله أعبد مخلصاً له ديني - وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى .