قال : وقوله تعالى : # 10 : 106 # ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين
 

- ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك - إلخ
قال : وقوله تعالى : # 10 : 106 # - ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين - .
قال ابن عطية : معناه قيل لي ولا تدع فهو عطف على أقم وهذا الأمر والمخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم . إذا كانت هكذا فأحرى أن يحذر من ذلك غيره . والخطاب خرج مخرج الخصوص وهو عام للأمة .
قال أبو جعفر ابن جرير في هذه الآية : يقول تعالى ذكره : ولا تدع يا محمد من دون معبودك وخالقك شيئاً لا ينفعك في الدنيا ولا في الآخرة ، ولا يضرك في دين ولا دنيا ، يعنى بذلك الآلهة والأصنام ، يقول لا تعبدها راجياً نفعها أو خائفاً ضرها فإنها لا تنفع ولا تضر . فإن فعلت ذلك فدعوتها من دون الله فإنك إذاً من الظالمين يكون من المشركين بالله الظالم لنفسه .
قلت : وهذه الآية لها نظائر كقوله : # 26 : 213 # - فلا تدع مع الله إلهاً آخر فتكون من المعذبين - وقوله: # 28 : 88 # - ولا تدع مع الله إلهاً آخر لا إله إلا هو - ففي هذه الآيات بيان أن كل مدعو يكون إلهاً ، والإلهية حق لله لا يصلح منها شئ لغيره . ولهذا قال : - لا إله إلا هو - كما قال تعالى : # 22 : 62 # - ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير - وهذا هو التوحيد الذي بعث الله به رسله ، وأنزل به كتبه ، كما قال تعالى : # 98 : 5 # - وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين - والدين : كل ما يدان الله به من العبادات الظاهرة والباطنة . وفسره ابن جرير في تفسيره بالدعاء ، وهو فرد من أفراد العبادة ، على عادة السلف في التفسير ، يفسرون الآية ببعض أفراد معناها ، فمن صرف منها شيئاً لقبر أو صنم أو وثن أو غير ذلك فقد اتخذه معبوداً وجعله شريكاً لله في الإلهية التي لا يستحقها إلا هو ، كما قال تعالى : # 23 : 117 # - ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون - فتبين بهذه الآية ونحوها أن دعوة غير الله كفر وشرك وضلال .
وقوله : # 10 : 107 # - وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله - فإنه المنفرد بالملك والقهر ، والعطاء والمنع ، والضر والنفع ، دون كل ما سواه . فيلزم من ذلك أن يكون هو المدعو وحده ، المعبود وحده ، فإن العبادة لا تصلح إلا لمالك الضر والنفع . ولا يملك ذلك ولا شيئاً منه غيره تعالى ، فهو المستحق للعبادة وحده ، دون من لا يضر ولا ينفع .
وقوله تعالى : # 39 : 38 # - قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون - وقال : # 35 : 2 # - ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم - فهذا ما أخبر به الله تعالى في كتابه من تفرده بالإلهية والربوبية ، ونصب الأدلة على ذلك . فاعتقد عباد القبور والمشاهد نقيض ما أخبر به الله تعالى ، واتخذوهم شركاء لله في استجلاب المنافع ودفع المكاره ، بسؤالهم والالتجاء بالرغبة والرهبة والتضرع ، وغير ذلك من العبادات التي لا يستحقها إلا الله تعالى ، واتخذوهم شركاء لله في ربوبيته وإلهيته . وهذا فوق شرك كفار العرب القائلين : - ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى - - هؤلاء شفعاؤنا عند الله - فإن أولئك يدعونهم ليشفعوا لهم ويقربوهم إلى الله . وكانوا يقولون في تلبيتهم : لبيك ، لا شريك لك* إلا شريكاً هو لك * تملكه وما ملك * .
وأما هؤلاء المشركون فاعتقدوا في أهل القبور والمشاهد ما هو أعظم من ذلك . فجعلوا لهم نصيباً من التصرف والتدبير ، وجعلوهم معاذاً لهم وملاذاً في الرغبات والرهبات - سبحان الله عما يشركون - .
وقوله : - وهو الغفور الرحيم - أي لمن تاب إليه .
قال : وقوله تعالى : # 29 : 17 # - فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون - يأمر تعالى عباده بابتغاء الرزق منه وحده دون ما سواه ممن لا يملك لهم رزقاً من السماوات والأرض شيئاً . فتقديم الظرف يفيد الاختصاص . وقوله : واعبدوه من عطف العام على الخاص ، فإن ابتغاء الرزق عنده من العبادة التي أمر الله بها .
قال العماد ابن كثير رحمه الله تعالى : فابتغوا أي فاطلبوا عند الله الرزق أي لا عند غيره . لأنه المالك له ، وغيره لا يملك شيئاً من ذلك واعبدوه أي أخلصوا له العبادة وحده لا شريك له واشكروا له أي على ما أنعم عليكم إليه ترجعون أي يوم القيامة فيجازى كل عامل بعمله .