قوله تعالى : إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون
 

- إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون - إلخ

- ومن أضل ممن يدعو من دون الله - إلخ
قال : : وقوله # 46 : 5 ، 6 # - ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين -
نفى سبحانه أن يكون أحد أضل ممن يدعو غيره . وأخبر أنه لا يستجيب له ما طلب منه إلى يوم القيامة . والآية تعم على كل من يدعى من دون الله ، كما قال تعالى : # 17 : 56 # - قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً - وفي هذه الآية أخبر أنه لا يستجيب وأنه غافل عن داعيه - وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين - فتناولت الآية كل داع وكل مدعو من دون الله .
قال أبو جعفر بن جرير في قوله : - وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداءً - يقول تعالى ذكره : وإذا جمع الناس ليوم القيامة في موقف الحساب كانت هذه الآلهة التي يدعونها في الدنيا لهم أعداء ، لأنهم يتبرأون منهم - وكانوا بعبادتهم كافرين - يقول تعالى ذكره : وكانت آلهتهم التي يعبدونها في الدنيا بعبادتهم جاحدين ، لأنهم يقولون يوم القيامة : ما أمرناهم ولا شعرنا بعبادتها إيانا . تبرأنا منهم يا ربنا . كما قال تعالى : # 25 : 17 ، 18 # - ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل * قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا - .
قال ابن جرير : - ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله - من الملائكة والإنس والجن وساق بسنده عن مجاهد قال : عيسى وعزير والملائكة .
ثم قال : يقول تعالى ذكره قالت الملائكة الذين كان هؤلاء المشركون يعبدونهم من دون الله وعيسى : تنزيهاً لك يا ربنا وتبرئةً مما أضاف إليك هؤلاء المشركون - ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء - نواليهم - أنت ولينا من دونهم - انتهى .
قلت : وأكثر ما يستعمل الدعاء في الكتاب والسنة واللغة ولسان الصحابة ومن بعدهم من العلماء : في السؤال والطلب ، كما قال العلماء من أهل اللغة وغيرهم : الصلاة لغة الدعاء ، وقد قال تعالى : # 35 : 13 ، 14 # - والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير - الآيتين وقال : # 6 : 63 # - قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفية - وقال : # 10 : 12 # - وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً - وقال : # 41 : 51 # - وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض - وقال : # 41 : 49 # - لا يسأم الإنسان من دعاء الخير - الآية . وقال : # 8 : 9 # - إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم - الآية .
وفي حديث أنس مرفوعاً : - الدعاء مخ العبادة - وفي الحديث الصحيح : - ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة - وفي آخر : - من يسأل الله يغضب عليه - وحديث : - ليس شئ أكرم على الله من الدعاء - رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه . وقوله : - الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السماوات والأرض - رواه الحاكم وصححه . وقوله : - سلوا الله كل شئ حتى الشسع إذا انقطع - الحديث . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : أفضل العبادة الدعاء وقرأ : # 40 :60 # - وقال ربكم ادعوني أستجب لكم - الآية . رواه ابن المنذر والحاكم وصححه . وحديث : - اللهم إني أسألك بأن لله الحمد لا إله إلا أنت المنان... - الحديث وحديث : - اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد - وأمثال هذا في الكتاب والسنة أكثر من أن يحصر ، في الدعاء الذي هو السؤال والطلب ، فمن جحد كون السؤال والطلب عبادة فقد صادم النصوص وخالف اللغة واستعمال الأمة سلفاً وخلفاً .
وأما ما تقدم من كلام شيخ الإسلام ، وتبعه العلامة ابن القيم رحمهما الله تعالى من أن الدعاء نوعان : دعاء مسألة ودعاء عبادة . وما ذكر بينهما من التلازم وتضمن أحدهما للآخر . فذلك باعتبار كون الذاكر والتالي والمصلى والمتقرب بالنسك وغيره طالباً في المعنى . فيدخل في مسمى الدعاء بهذا الاعتبار ، وقد شرح الله تعالى في الصلاة الشرعية من دعاء المسألة ما لا تصح الصلاة إلا به ، كما في الفاتحة والسجدتين وفي التشهد ، وذلك عبادة كالركوع والسجود . فتدبر هذا المقام يتبين لك جهل الجاهلين بالتوحيد.
ومما يتبين هذا المقام ويزيد إيضاحاً . قوله العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في قوله تعالى : # 17 : 110 # - قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى - وهذا الدعاء المشهور أنه دعاء المسألة . قالوا : كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويقول مرة يا الله ومرة يا رحمن فظن المشركون أنه يدعو إلهين فأنزل الله هذه الآية . ذكر هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما . وقيل : إن هذا الدعاء هنا بمعنى التسمية ، والمعنى : أي سميتموه به من أسماء الله تعالى ، إما الله وإما الرحمن فله الأسماء الحسنى . وهذا من لوازم المعنى في الآية . وليس هو عين المراد . بل المراد بالدعاء معناه المعهود المطرد في القرآن . وهو دعاء السؤال ودعاء الثناء .
ثم قال : إذا عرف هذا فقوله : - ادعوا ربكم تضرعا وخفية - يتناول نوعي الدعاء لكنه ظاهر في دعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة ، ولهذا أمر بإخفائه . قال الحسن : بين دعاء السر ودعاء العلانية سبعون ضعيفاً . ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء ولم يسمع لهم صوت إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم . وقوله تعالى : # 2 : 186 # - وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان - يتناول نوعى الدعاء ، وبكل منهما فسرت الآية قيل : أعطيه إذا سألني ، وقيل أثيبه إذا عبدني ، وليس هذا من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، بل هذا استعمال في حقيقته الواحدة المتضمنة للأمرين جمعياً . وهذا يأتي في مسألة الصلاة وإنها نقل عن مسماها في اللغة وصارت حقيقة شرعية ، واستعملت في هذه العبادة مجازاً للعلاقة بينهما وبين المسمى اللغوي وهي باقية على الوضع اللغوي ، وضم إليها أركان وشرائط . فعلى ما قررناه لا حاجة إلى شئ من ذلك ، فإن المصلى من أول صلاته إلى آخرها لا ينفك عن دعاء : إما عبادة وثناء ، أو دعاء طلب ومسألة ، وهو في الحالتين داع . ا هـ . ملخصاً من البدائع .