قوله تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين
 

قوله : حين أنزل عليه - وأنذر عشيرتك الأقربين - عشيرة الرجل : هم بنو أبيه الأدنون أو قبيلته . لأنهم أحق الناس ببرك وإحسانك الديني والدنيوي ، كما قال تعالى : # 66 : 5 # - يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة - وقد أمره الله تعالى أيضاً بالنذارة العامة ، كما قال # 36 : 6 # - لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون - # 14 : 44 ) - وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب - .
قوله : يا معشر قريش المعشر الجماعة .
قوله : أو كلمة نحوها هو بنصب كلمة عطف على ما قبله .
قوله : اشتروا أنفسكم أي بتوحيد الله وإخلاص العبادة له وحده لا شريك له وطاعته فيما أمر به والإنتهاء عما نهى عنه . فإن ذلك هو الذي ينجي من عذاب الله لا الاعتماد على الأنساب والأحساب ، فإن ذلك غير نافع عند رب الأرباب .
قوله : - ما أغني عنكم من الله من شيء - فيه حجة على من تعلق على الأنبياء والصالحين ، ورغب إليهم ليشفعوا له وينفعوه ، أو يدفعوا عنه ، فإن ذلك هو الشرك الذي حرمه الله تعالى ، وأقام نبيه صلى الله عليه وسلم بالإنذار عنه ، كما أخبر تعالى عن المشركين في قوله # 39 : 3 # - والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى - # 10 : 18 # - هؤلاء شفعاؤنا عند الله - فأبطل الله ذلك ونزه نفسه عن هذا الشرك ، وسيأتي تقرير هذا المقام إن شاء الله تعالى . وفي صحيح البخاري يا بني عبد مناف لا أغنى عنكم من الله شيئاً .
قوله : يا عباس بن عبد المطلب بنصب بن ويجوز في عباس الرفع النصب . وكذا في قوله يا صفية عمة رسول الله ، ويا فاطمة بنت محمد .
قوله : سليني من مالي ما شئت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا ينجي من عذاب الله إلا الإيمان والعمل الصالح .
وفيه : أنه لا يجوز أن يسأل العبد إلا ما يقدر عليه من أمور الدنيا . وأما الرحمة والمغفرة والجنة والنجاة من النار ونحو ذلك من كل ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى ، فلا يجوز أن يطلب إلا منه تعالى ، فإن ما عند الله لا ينال إلا بتجريد التوحيد ، والإخلاص له بما شرعه ورضيه لعباده أن يتقربوا إليه به ، فإذا كان لا ينفع بنته ولا عمه ولا عمته ولا قرابته إلا ذلك ، فغيرهم أولى وأحرى . وفي قصة عمه أبي طالب معتبر .
فانظر إلى الواقع الآن من كثير من الناس الالتجاء إلى الأموات والتوجه إليهم بالرغبات والرهبات ، وهم عاجزون لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ، فضلاً عن غيرهم _ يتبين لك أنهم ليسو على شئ # 7 : 30 # - إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون - أظهر لهم الشيطان الشرك في قالب محبة الصالحين ، وكل صالح يبرأ إلى الله من هذا الشرك في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد . ولا ريب أن محبة الصالحين إنما تحصل بموافقتهم في الدين ، ومتابعتهم في طاعة رب العالمين ، لا باتخاذهم أنداداً من دون الله يحبونهم كحب الله إشراكاً بالله ، وعبادة لغير الله ، وعداوة لله ورسوله والصالحين من عباده ، كما قال تعالى : # 5 : 116 ، 117 # - وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد - .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في هذه الآية بعد كلام سبق : ثم نفى أن يكون قال لهم غير ما أمر به وهو محض التوحيد فقال - ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم - ثم أخبر أن شهادته عليهم مدة مقامه فيهم ، وأنه بعد الوفاة لا إطلاع له عليهم ، وأن الله عز وجل المنفرد بعد الوفاة بالاطلاع عليهم فقال - وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد - وصف الله سبحانه بأن شهادته فوق كل شهادة وأعم ا هـ .
قلت : ففي هذا بيان أن المشركين خالفوا ما أمر الله به رسله من توحيده الذي هو دينهم الذي اتفقوا عليه ، ودعوا الناس إليه ، وفارقوا فيه إلا من آمن ، فكيف يقال لمن دان بدينهم ، وأطاعهم فيما أمروا به من إخلاص العبادة لله وحده : إنه قد تنقصهم بهذا التوحيد الذي أطاع به ربه ، واتبع فيه رسله عليهم السلام ، ونزه به ربه عن الشرك الذي هو هضم للربوبية . وتنقص للإلهية وسوء ظن برب العالمين ؟ .
والمشركون هم أعداء الرسل وخصماؤهم في الدنيا والآخرة ، وقد شرعوا لأتباعهم أن يتبرأوا من كل مشرك ويكفروا به ، ويبغضوه ويعادوه في ربهم ومعبودهم # 6 : 109 # - قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين - .