حديث أبي هريرة : إذا قضى الله الأمر في السماء إلخ
 

قوله : إذا قضي الله الأمر في السماء أي إذا تكلم الله بالأمر الذي يوحيه إلى جبريل بما أراد ، كما صرح به في الحديث الآتي، وكما روى سعيد بن منصور وأبو داود وابن جرير عن ابن مسعود - إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات صلصة كجر السلسلة على الصفوان - .
وروى ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : لما أوحي الجبار إلى محمد صلى الله عليه وسلم دعا الرسول من الملائكة ليبعثه بالوحي ، فسمعت الملائكة صوت الجبار يتكلم بالوحي . فما كشف عن قلوبهم سألوا عما قال الله . فقالوا : الحق . وعلموا أن الله لا يقول إلا حقاً .
قوله : ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله أي لقول الله تعالى . قال الحافظ : خضعاناً بفتحتين من الخضوع . وفي رواية بضم أوله وسكون ثانيه . وهو مصدر بمعنى خاضعين .
قوله : كأنه سلسلة على صفوان أي كأن الصوت المسموع سلسلة على صفوان وهو الحجر الأملس .
قوله : ينفذهم ذلك هو بفتح التحتية وسكون النون وضم الفاء والذال المعجمة ذلك أي القول ، والضمير في ينفذهم للملائكة، أي ينفذ ذلك القول الملائكة أي يخلص ذلك القول ويمضي فيهم حتى يفزعوا منه . وعند ابن مردويه من حديث ابن عباس فلا ينزل على أهل سماء إلا صعقوا وعند أبي داود وغيره مرفوعاً - إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء الدنيا صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون ، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل - الحديث .
قوله : حتى إذا فزع عن قلوبهم تقدم معناه .
قوله : قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا الحق أي قالوا : قال الله الحق ، علموا أن الله لا يقول إلا الحق .
قوله : فيسمعها مسترق السمع أي يسمع الكلمة التي قضاها الله ، وهم الشياطين يركب بعضهم بعضاً . وفي صحيح البخاري عن عائشة مرفوعاً : - إن الملائكة تنزل في العنان ـ وهو السحاب ـ فتذكر الأمر قضى في السماء ، فتسترق الشياطين السمع ، فتوجه إلى الكهان - .
قوله : ومسترق السمع هكذا وصفه سفيان بكفه أي وصف ركوب بعضهم فوق بعض .
وسفيان هو ابن عيينة أبو محمد الهلالي الكوفي ثم المكي ، ثقة حافظ ، فقيه ، إمام حجة ، مات سنة ثمان وتسعين ومائة وله إحدى وتسعون سنة .
قوله : فحرفها بحاء مهملة وراء مشددة وفاء . قوله : وبدد أي فرق بين أصابعه .
قوله : فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته أي يسمع الفوقاني الكلمة فيلقيها إلى آخر تحته ، ثم يلقيها إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن .
قوله : فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها الشهاب هو النجم الذي يرمي به ، أي ربما أدرك الشهاب المسترق ، وهذا يدل على أن الرمي بالشهب قبل المبعث . لما روى أحمد وغيره ـ والسياق له في المسند من طريق معمر ـ : أنبأنا الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في نفر من أصحابه ـ قال عبد الرزاق : من الأنصار ـ قال : فرمى بنجم عظيم ، فاستنار ، قال : ما كنتم تقولون إذا كان مثل هذا في الجاهلية ؟ قال : كنا نقول : لعله يولد عظيم أو يموت ، قلت للزهري : أكان يرمى بها في الجاهلية ؟ قال نعم ، ولكن غلظت حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم قال : فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته ، ولكن ربنا تبارك اسمه إذا قضى أمراً سبح حملة العرش ، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، حتى يبلغ التسبيح هذه السماء الدنيا . ثم يستخبر أهل السماء الذين يلون حملة العرش ، فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش : ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم ، ويخبر أهل كل سماء حتى ينتهي الخبر إلى هذه السماء ، وتخطف الجن السمع فيرمون ، فما جاءوا به على وجهه فهو حق ، ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون . قال عبد الله : قال أبي : قال عبد الرزاق ويخطف الجن ويرمون وفي رواية له لكنهم يزيدون فيه ويقرفون وينقصون .
قوله : فيكذب معها مائة كذبة أي الكاهن أو الساحر .
و كذبة بفتح الكاف وسكون الذال المعجمة .
قوله : أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا : وكذا وكذا ؟ هكذا في نسخة بخط المصنف ، وكالذي في صحيح البخاري سواء .
قال المصنف : وفيه قبول النفوس للباطل ، كيف يتعلقون بواحدة ولا يعتبرون بمائة كذبة ؟ .
وفيه : أن الشئ إذا كان فيه شئ من الحق فلا يدل على أنه حق كله ، فكثيراً ما يلبس أهل الضلال الحق بالباطل ليكون أقبل لباطلهم ، قال تعالى : # 2 : 42 # - ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون - .
وفي هذه الأحاديث وما بعدها وما في معناها : إثبات علو الله تعالى على خلقه على ما يليق بجلاله وعظمته ، وأنه تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء بكلام يسمعه الملائكة ، وهذا قول أهل السنة قاطبة سلفاً وخلفاً . خلافاً للأشاعرة والجهمية ، ونفاة المعتزلة . فإياك أن تلتفت إلى مازخرفه أهل التعطيل ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .