إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو
 

قوله : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - إياكم والغلو . فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو - .
هذا الحديث ذكره المصنف بدون ذكر راويه . وقد رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس .
وهذا لفظ رواية أحمد : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة جمع : - هلم القط لي . فلقطت له حصيات هن حصى الحذف . فما وضعهن في يده قال : نعم بأمثال هؤلاء فارموا . وإياكم والغلو في الدين ، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين - .
قال شيخ الإسلام : هذا عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال وسبب هذا اللفظ العلم رمي الجمار ، وهو داخل فيه ، مثل الرمي بالحجارة الكبار ، بناء على أنه أبلغ من الصغار . ثم علله بما يقتضي مجانبة هدى من كان قبلنا إبعاداً عن الوقوع فيما هلكوا به ، فإن المشارك لهم في بعض هديهم يخاف عليه من الهلاك .
قوله : ولمسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هلك المتتطعون قالها ثلاثاً .
قال الخطابي : المتنطع المتعمق في الشئ ، المتكلف البحث عن علي مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم ، الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم .
ومن التنطع : الامتناع من المباح مطلقاً ، كالذي يمتنع من أكل اللحم والخبز ، ومن لبس الكتان والقطن ، ولا يلبس إلا الصوف ، ويمتنع من نكاح النساء ، ويظن أن هذا من الزهد المستحب . قال الشيخ تقي الدين : فهذا جاهل ضال ، انتهى .
وقال ابن القيم رحمه الله : قال الغزالي : والمتنطعون في البحث والاستقصاء .
وقال أبو السعادات : هم المتعمقون الغالون في الكلام ، المتكلمون بأقصى حلوقهم . مأخوذ من النطع ، وهو الغار الأعلى من الفم ، ثم استعمل في كل متعمق قولاً وفعلاً .
وقال النووي : فيه كراهة التقعر في الكلام بالتشدق وتكلف الفصاحة ، واستعمال وحشى اللغة ودقائق الإعراب في مخاطبة العوام ونحوهم .
قوله : قالها ثلاثاً أي قال هذه الكلمة ثلاث مرات ، مبالغة في التعليم والإبلاغ ، فقد بلغ البلاغ المبين . صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .