حديث أم سلمة في كنسية الحبشة
 

قوله : في الصحيح : عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور . فقال : " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح ، بنوا على قبره مسجداً ، وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله " فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين : فتنة القبور وفتنة التماثيل .
قوله : في الصحيح أي الصحيحين .
قوله : أن أم سلمة هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية . تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبي سلمة سنة أربع ، وقيل : ثلاث ، وكانت قد هاجرت مع أبي سلمة إلى الحبشة ماتت سنة اثنتين وستين .
قوله : ذكرت لرسول الله وفي الصحيحين أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم و الكنسية بفتح الكاف وكسر النون : معبد النصارى .
قوله : أولئك بكسر الكاف خطاب للمرأة .
قوله : إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح هذا ـ والله أعلم ـ شك من بعض رواة الحديث : هل قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أو هذا ؟ ففيه التحري في الرواية . وجواز الرواية بالمعنى .
قوله : وصوروا فيه تلك الصور الإشارة إلى ما ذكرت أم سلمة وأم حبيبة من التصاوير التي في الكنسية .
قوله : أولئك شرار الخلق عند الله وهذا يقتضى تحريم بناء المساجد على القبور ، وقد لعن صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك كما سيأتي .
قال البيضاوي : لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيماً لشأنهم ، ويجعلنها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها واتخذوها أوثاناً لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم .
قال القرطبي : وإنما صور أوائلهم الصور ليتأسوا بها ويتذكروا أعمالهم الصالحة ، فيجتهدوا كاجتهادهم ، ويعبدوا الله عند قبورهم ، ثم خلفهم قوم جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها . فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك ، سداً للذريعة المؤدية إلى ذلك .
قوله : فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين : فتنة القبور وفتنة التماثيل هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، ذكره المصنف رحمه الله تنبيهاً على ما وقع من شدة الفتنة بالقبور والتماثيل فإن فتنة بالقبور كالفتنة بالأصنام أو أشد .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ المساجد على القبور لأنها هي التي أوقعت كثيراً من الأمم إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه من الشرك . فإن النفوس قد أشركت بتماثيل الصالحين ، وتماثيل يزعمون أنها طلاسم الكواكب ونحو ذلك . فإن الشرك بقبر الرجل الذي يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة أو حجر . ولهذا تجد أهل الشرك يتضرعون عندها ، ويخشعون ويخضعون ، ويعبدون بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في بيوت الله ولا وقت السحر ، ومنهم من يسجد لها ، وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجونه في المساجد ، فلأجل هذه المفسدة حسم النبي صلى الله عليه وسلم مادتها . حتى نهي عن الصلاة في المقبرة مطلقاً ، وإن لم يقصد المصلى بركة البقعة بصلاته ، كما يقصد بصلاته بركة المساجد ، كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها ، لأنها أوقات يقصد فيها المشركون الصلاة للشمس ، فنهى أمته عن الصلاة حينئذ وإن لم يقصد ما قصده المشركون ، سداً للذريعة . وأما إذا قصد الرجل الصلاة عند القبور متبركاً بالصلاة في تلك البقعة فهذا عين المحادة لله ولرسوله ، والمخالفة لدينه وابتداع دين لم يأذن به الله ، فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم : أن الصلاة عند القبور منهى عنها ، وأنه صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذها مساجد ، فمن أعظم المحدثات وأسباب الشرك : الصلاة عندها واتخاذها مساجد ، وبناء المساجد عليها . وقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك والتغليظ فيه . وقد صرح عامة الطوائف بالنهي عن بناء المساجد عليها متابعة منهم للسنة الصحيحة الصريحة . وصرح أصحاب أحمد وغيرهم من أصحاب مالك والشافعي بتحريم ذلك . وطائفة أطلقت الكراهة والذي ينبغي أن تحمل على كراهة التحريم ، إحساناً للظن بالعلماء ، وأن لا يظن بهم أن يجوزوا فعل ما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن فاعله والنهي عنه . ا هـ كلامه رحمه الله تعالى .