وجد المسلمين دانيال في تستر لما فتحوها
 

وفي مغازي ابن إسحاق من زيادات يونس بن بكير عن أبي خلدة خالد بن دينار . حدثنا أبو العالية قال : لما فتحنا تستر وجدنا في بيت مال الهرمزان سريراً عليه رجل ميت ، عند رأسه مصحف . فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر ، فدعا له كعباً فنسخه بالعربية ، فأنا أول رجل قرأه من العرب ، قرأته مثل ما أقرأ القرآن . فقلت لأبي العالية : ما كان فيه ؟. قال : سيرتكم وأموركم ولحون كلامكم وما هو كائن بعد . قلت : فماذا صنعتم بالرجل ؟ قال : حفرنا له بالنهار ثلاثة عشرة قبراً متفرقة . فلما كان الليل دفناه وسوينا القبور كلها لنعميه عن الناس لا ينبشونه . قلت : وما يرجون منه ؟ قال : كانت السماء إذا حبست عنهم برزوا بسريره فيمطرون . فقلت : من كنتم تظنون الرجل ؟ قال : رجل يقال له دانيال . فقلت : منذ كم وجدتموه مات ؟ قال : منذ ثلاثمائة سنة .
قلت : ما كان تغير منه شئ ؟ قال : لا ، إلا شعيرات من قفاه ، إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض .
قال ابن القيم رحمه الله : ففي هذه القصة ما فعله المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم من تعمية قبره لئلا يفتتن به ، ولم يبرزوه للدعاء عنده والتبرك به ، ولو ظفر به المتأخرون لجالدوا عليه بالسيف ولعبدوه من دون الله .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : وهو إنكار منهم لذلك ، فمن قصد بقعة يرجو الخير بقصدها ـ ولم يستحب الشارع قصدها ـ فهو من المنكرات ، وبعضه أشد من بعض ، سواء قصدها ليصلي عندها أو ليدعو عندها ، أو ليقرأ عندها أو ليذكر الله عندها ، أو لينسك عندها بحيث يخص تلك البقعة بنوع من العبادة التى لم يشرع تخصيصها به لا نوعاً ولا عيناً ، إلا أن ذلك قد يجوز بحكم الاتفاق لا لقصد الدعاء فيها ، كمن يزورها ويسلم عليها ، ويسأل الله العافية له وللموتى ، كما جاءت به السنة . وأما تحرى الدعاء عندها بحيث يستشعر أن الدعاء هناك أجوب منه فى غيره ، فهذا هو المنهى عنه . انتهى ملخصاً .
قوله : اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم فيه تحريم البناء على القبور ، وتحريم الصلاة عندها ، وأن ذلك من الكبائر .
وفى القرى للطبرى من أصحاب مالك عن مالك أنه كره أن يقول : زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلل ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : " اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد " الحديث . كره إضافة هذا اللفظ إلى القبر ، لئلا يقع التشبه بفعل أولئك ، سداً للذريعة .
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : ومالك قد أدرك التابعين ، وهم أعلم الناس بهذه المسألة ، فدل ذلك على أنه لم يكن معروفاً عندهم ألفاظ زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ـ إلى أن قال ـ وقد ذكروا أسباب كراهته لأن يقول : زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا اللفظ قد صار كثير من الناس يريد به الزيارة البدعية ، وهو قصد الميت لسؤاله ودعائه ، والرغبة إليه في قضاء الحوائج ، ونحو ذلك مما يفعله كثير من الناس ، فهم يعنون بلفظ الزيارة مثل هذا . وهذا ليس بمشروع باتفاق الأئمة . وكره مالك أن يتكلم بلفظ مجمل يدل على معنى فاسد ، بخلاف الصلاة والسلام عليه ، فإن ذلك مما أمر الله به . أما لفظ الزيارة في عموم القبور فلا يفهم منها مثل هذا المعنى . ألا ترى إلى قوله : فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة مع زيارته لقبر أمه . فإن هذا يتناول قبور الكفار . فلا يفهم من ذلك زيارة الميت لدعائه وسؤاله والاستغاثة به ، ونحو ذلك مما يفعله أهل الشرك والبدع ، بخلاف ما إذا كان المزور معظماً في الدين كالأنبياء والصالحين ، فإنه كثيراً ما يعني بزيارة قبورهم هذه الزيارة البدعية الشركية، فلهذا كره مالك ذلك في مثل هذا ، وإن لم يكره ذلك في موضع آخر ليس فيه هذه المفسدة . ا هـ .
وفيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستعذ إلا مما يخاف وقوعه . ذكره المصنف رحمه الله تعالى .