معنى ( عبد الطاغوت ) وقال الذين غلبوا على أمرهم إلخ
 

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجبت السحر ، والطاغوت الشيطان وكذلك قول ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والحسن وغيرهم . وعن ابن عباس وعكرمة وأبي مالك الجبت الشيطان ـ زاد ابن عباس : بالحبشية وعن ابن عباس أيضاً : الجبت الشرك وعنه الجبت الأصنام وعنه الجبت : حيى بن أخطب وعن الشعبي الجبت الكاهن وعن مجاهد : الجبت كعب بن الأشرف قال الجوهري الجبت كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك .
قال المصنف رحمه الله تعالى : وفيه معرفة الإيمان بالجبت والطاغوت في هذا الموضع هل هو اعتقاد قلب ، أو هو موافقة أصحابها ، مع بغضها ومعرفة بطلانها ؟ .
قوله : وقوله تعالى : # 5 : 60 # " قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت " .
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد هل أخبركم بشر جزاء عند الله يوم القيامة مما تظنونه بنا ؟ وهم أنتم أيها المتصفون بهذه الصفات المفسرة بقوله : من لعنه الله أي أبعده من رحمته وغضب عليه أي غضباً لا يرضى بعده أبداً " وجعل منهم القردة والخنازير " وقد قال الثوري عن علقمة بن مرثد عن المغيرة بن عبد الله اليشكري عن المعرور بن سويد أن ابن مسعود رضي الله عنه قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير ، أهي مما مسخ الله ؟ فقال : إن الله لم يهلك قوماً ـ أو قال لم يمسخ قوماً ـ فجعل لهم نسلاً ولا عقباً ، وإنما القردة والخنازير كانت قبل ذلك " رواه مسلم .
قال البغوي في تفسيره قل يا محمد هل أنبئكم أخبركم بشر من ذلك الذي ذكرتم ، يعني قولهم : لم نر أهل دين أقل حظاً في الدنيا والآخرة منكم ، ولا ديناً شراً من دينكم ، فذكر الجواب بلفظ الإبتداء وإن لم يكن الإبتداء شراً ، لقوله تعالى : # 22 : 72 # " قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار " .
وقوله : مثوبة ثواباً وجزاء ، نصب على التفسير عند الله ، من لعنه الله أي هو من لعنه الله وغضب عليه يعني اليهود " وجعل منهم القردة والخنازير " فالقردة أصحاب السبت ، والخنازير كفار مائدة عيسى . وعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن المسخين كلاهما من أصحاب السبت ، فشبابهم مسخوا قردة وشيوخهم مسخوا خنازير .
وعبد الطاغوت أي وجعل منهم من عبد الطاغوت ، أي أطاع الشيطان فيما سول له ، وقرأ ابن مسعود عبدوا الطاغوت وقرأ حمزة و عبد بضم الباء ، و الطاغوت بجر التاء أراد العبد . وهما لغتان : عبد بسكون الباء ، وعبد بضمنها ، مثل سبع وسبع وقرأ الحسن وعبد الطاغوت على الواحد .
وفي تفسير الطبرسي : قرأ حمزة وحده وعبد الطاغوت بضم الياء وجر التاء ، والباقون وعبد الطاغوت بنصب الباء وفتح التاء . وقرأ ابن عباس وابن مسعود وإبراهيم المخعي والأعمش وأبان بن تغلب وعبد الطاغوت بضمن العين والباء وفتح الدال وخفض التاء ، قال : وحجة حمزة في قراءته وعبد الطاغوت أنه يحمله على ما عمل فيه جعل كأنه : وجعل منهم عبد الطاغوت . ومعنى جعل خلق . كقوله وجعل الظلمات والنور وليس عبد لفظ جمع لأنه ليس من أبنية الجموع شئ على هذا البناء ، ولكنه واحد يراد به الكثرة ، ألا ترى أن في الأسماء المفردة المضافة إلى المعارف ما لفظه الأفراد ومعناه الجمع ، كما في قوله تعالى : " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " ولأن بناء فعل يراد به المبالغة والكثرة نحو يقظ ودنس ، وكأن تقديره : أنه ذهب في عبادة الطاغوت كل مذهب .
وأما من فتح فقال وعبد الطاغوت فإنه عطفه على بناء المضي الذي في الصلة وهو قوله لعنه الله وأفرد الضمير في عبد وإن كان المعنى فيه الكثرة ، لأن الكلام محمول على لفظه دون معناه ، وفاعله ضمير من كما أن فاعل الأمثلة المعطوف عليها ضمير من فأفرد لحمل ذلك جميعاً على اللفظ . وأما قوله : عبد الطاغوت فهو جمع عبد .
وقال أحمد بن يحيى : عبد جمع عابد ، كبازل وبزل ، وشارف وشرف ، وكذلك عبد جمع عابد . ومثله عباد وعباد . ا هـ .
وقال شيخ الإسلام في قوله وعبد الطاغوت الصواب أنه معطوف على ماقبله من الأفعال ، أي من لعنه وغضب عليه ، ومن جعل منهم القردة والخنازير ومن عبد الطاغوت . قال : والأفعال المتقدمة الفاعل فيها اسم الله ، مظهراً أو مضمراً . وهنا الفاعل اسم من عبد الطاغوت . وهو الضمير في عبد ولم يعد سبحانه من لأنه جعل هذه الأفعال صفة لصنف واحد وهم اليهود .
قوله : أولئك شر مكاناً مما تظنون بنا وأضل عن سواء السبيل وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس في الطرف الآخر له مشارك كقوله تعالى : # 25 : 24 # " أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا " قاله العماد ابن كثير في تفسيره ، وهو ظاهر .
قوله : وقول الله تعالى : # 18 : 21 # " قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً " والمراد أنهم فعلوا مع الفتية بعد موتهم ما يذم فاعله . لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد أراد تحذير أمته أن يفعلوا كفعلهم .