حديث ثوبان : إن الله زوى لي الأرض إلخ
 

قوله : ولمسلم عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها . وأعطيت الكنزين : الأحمر ، والأبيض . وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة ، وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم ، فيستبيح بيضتهم ، وإن ربي قال : يا محمد ، إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد ، وإن أعطيتك لأمتك أن لا أهلكها بسنة بعامة . وأن لا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ، ولو اجتمع عليهم من بإقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ، ويسبى بعضهم بعضاً " ورواه البرقاني في صحيحه وزاد " وإنما أخاف على أمتى الأئمة المضلين . وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي ، بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتى الأوثان . وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون ، كلهم يزعم أنه نبي ، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى " . هذا الحديث رواه أبو داود في سننه وابن ماجه بالزيادة التي ذكرها المصنف .
قوله : عن ثوبان هو مولى النبي صلى الله عليه وسلم صحبه . ولازمه . ونزل بعده الشام ومات بحمص سنة أربع وخمسين .
قوله : زوى لي الأرض قال التوربشتى : زويت الشئ جمعته وقبضته ، يريد تقريب البعيد منها حتى اطلع عليه إطلاعه على القريب . وحاصله أنه طوى له الأرض وجعلها مجموعة كهيئة كف في مرآة ينظره . قال الطيبي : أي جمعها ، حتى بصرت ما تملكه أمتي من أقصى المشارق والمغارب منها .
قوله : وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها قال القرطبي : هذا الخبر وجد مخبره كما قال ، وكان ذلك من دلائل نبوته ، وذلك أن ملك أمته اتسع إلى أن بلغ أقصى طنجة ـ بالنون والجيم ـ الذي هو منتهى عمارة المغرب ، إلى أقصى المشرق مما هو وراء خراسان والنهر ، وكثير من بلاد السند والهند والصغد ، ولم يتسع ذلك الاتساع من جهة الجنوب والشمال . وذلك لم يذكر عليه السلام أنه أريه ولا أخبر أن ملك أمته يبلغه .
قوله : زوى لي منها يحتمل أن يكون مبيناً للفاعل ، وأن يكون مبنياً للمفعول .
قوله : وأعطيت الكنزين : الأحمر والأبيض قال القرطبي : عني به كنز كسرى ، وهو ملك الفرس ، وكنز قيصر وهو ملك الروم وقصورهما وبلادهما . وقد قال صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله " وعبر بالأحمر عن كنز قيصر لأن الغالب عندهم كالذهب ، وبالأبيض عن كنز كسرى لأن الغالب عندهم كان الجوهر والفضة . ووجد ذلك في خلافة عمر . فإنه سيق إليه تاج كسرى وحليته وما كان في بيوت أمواله ، وجميع ما حوته مملكته على سعتها وعظمتها ، وكذلك فعل الله بقيصر والأبيض والأحمر منصوبان على البدل .
قوله : وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة هكذا ثبت في أصل المصنف رحمه الله بعامة بالباء وهي رواية صحيحة في صحيح مسلم وفي بعضها بحذفها . قال القرطبي : وكأنها زائدة لأن عامة : صفة السنة ، والسنة الجدب الذي يكون به الهلاك العام ، ويسمى الجدب والقحط : سنة . يجمع على سنين ، كما قال تعالى : # 7 : 130 # " ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين " أي الجدب المتوالى .
قوله : من سوى أنفسهم أي من غيرهم من الكفار من إهلاك بعضهم بعضاً ، وسبى بعضهم بعضاً ، كما هو مبسوط في التاريخ فيما قيل . وفي زماننا هذا ، نسأل الله العفو والعافية .
قوله : فيستبيح بيضتهم قال الجوهري : بيضة كل شئ جوزته . وبيضة القوم ساحتهم ، وعلى هذا فيكون معنى الحديث : إن الله تعالى لا يسلط العدو على كافة المسلمين حتى يستبيح جميع ما حازوه من البلاد والأرض ، ولو اجتمع عليهم من بأقطار الأرض وهي جوانبها . وقيل : بيضتهم معظمهم وجماعتهم ، وإن قلوا .
قوله : حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ، ويسبى بعضهم بعضاً والظاهر أن حتى عاطفة ، أو تكون لانتهاء الغاية ، أي إن أمر الأمة ينتهي إلى أن يكون بعضهم يهلك بعضاً . وقد سلط بعهضم على بعض كما هو الواقع ، وذلك لكثرة اختلافهم وتفرقهم .
قوله : وإن ربي قال : يا محمد ، إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد قال بعضهم : أي إذا حكمت حكماً مبرماً نافذاً فإنه لا يرد بشئ، ولا يقدر أحد على رده ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ولا راد لما قضيت .
قوله : رواه البرقاني في صحيحه هو الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي الشافعي . ولد سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ومات سنة خمس وعشرين وأربعمائة . قال الخطيب : كان ثبتاً ورعاً ، لم نر في شيوخنا أثبت منه ، عارفاً بالفقه كثير التصانيف . صنف مسنداً ضمنه ما أشتمل عليه الصحيحان . وجمع حديث الثوري وحديث شعبة وطائفة .
وهذا الحديث رواه أبو داود بتمامه بسنده إلى أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله ـ أو قال إن ربي ـ زوى لي الأرض فأريت مشارق الأرض ومغاربها ، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها. وأعطيت الكنزين : الأحمر والأبيض . وإني سألت لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة ولا يسلط عليهم عدواً سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم . وأن ربي قال لي : يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد ، ولا أهلكهم بسنة عامة ، ولا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم . وإن ربي قال لي : يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد ، ولا أهلكهم بسنة عامة ، ولا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها ـ أو قال : بأقطارها ـ حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ، وحتى يكون بعضهم يسبى بعضاً . وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين . وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة . ولا تقوم الساعة حتى يلحق قبائل أمتي بالمشركين ، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي ، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ـ قال ابن عيسى : ظاهرين ثم اتفقا لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى ".
وروى أبو داود أيضاً عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين ، أو ست وثلاثين ، أو سبع وثلاثين ، فإن يهلكوا فسبيل من هلك ، وإن يقم لهم دينهم يقم سبعين عاماً قلت : أمما بقى أو مما مضى ؟ قال : مما مضى " .
وروى في سننه أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يتقارب الزمان وينقص العلم ، وتظهر الفتن ، ويلقى الشح ، ويكثر الهرج ، قيل : يا رسول الله أيه هو ؟ قال : القتل القتل " .
قوله : وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين أي الأمراء والعلماء والعباد فيحكمون فيهم بغير علم فيضلونهم ، كما قال تعالى : # 33 : 67 # " وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا " وكان بعض هؤلاء يقول لأصحابه : من كان له حاجة فليأت إلى قبري فإني أقضيها له ولا خير في رجل يحجبه عن أصحابه ذراع من تراب ، ونحو هذا . وهذا هو الضلال البعيد، يدعو أصحابه إلى أن يعبدوه من دون الله ويسألوه ما لا يقدر عليه من قضاء حاجاتهم وتفريج كرباتها ، وقد قال تعالى : # 22 : 12 ، 13 # " يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد * يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير " وقال تعالى : # 25 : 3 # " واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً " وقال تعالى : # 29 : 17 # " فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون " وأمثال هذا في القرآن كثير ، يبين الله تعالى به الهدى من الضلال .
ومن هذا الضرب : من يدعى أنه يصل مع الله إلى حال تسقط فيها عنه التكاليف ، ويدعى أن الأولياء يدعون ويستغاث بهم في حياتهم ومماتهم ، وأنهم ينفعون ويضرون ويدبرون الأمور على سبيل الكرامة ، وأنه يطلع على اللوح المحفوظ ، يعلم أسرار الناس وما في ضمائرهم ، ويجوز بناء المساجد على قبور الأنبياء والصالحين وإيقادها بالسرج ونحو ذلك من الغلو والإفراط والعبادة لغير الله . فما أكثر هذا الهذيان والكفر والمحادة لله ولكتابه ولرسوله .