السبع الموبقات
 

قوله : وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " .
كذا أورده المصنف غير معزو . وقد رواه البخاري ومسلم .
قوله : اجتنبوا أي ابعدوا ، وهو أبلغ من قوله : دعوا واتركوا ، لأن النهي عن القربان أبلغ ، كقوله : # 6 : 141 # " ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن " .
قوله : الموبقات بموحدة وقاف . أي المهلكات. وسميت هذه موبقات لأنها تهلك فاعلها في الدنيا بما يترتب عليها من العقوبات، وفي الآخرة من العذاب .
وفي حديث ابن عمر عند البخاري في الآدب المفرد والطبري في التفسير ، وعبد الرزاق مرفوعاً وموقوفاً قال : الكبائر تسع ـ وذكر السبع المذكورة ـ وزاد : والإلحاد في الحرم ، وعوق الوالدين ولابن أبي حاتم عن علي قال : الكبائر ـ فذكر السبع ـ إلا مال اليتيم ، وزاد ـ العقوق ، والتعرب بعد الهجرة ، وفراق : الجماعة ونكث الصفقة .
قال الحافظ : ويحتاج عندي هذا الجواب عن الحكمة في الاقتصار على سبع .
ويجاب : بأن مفهوم العدد ليس بحجة وهو ضعيف ، أو بأنه أعلم أو لا بالمذكورات. ثم أعلم بما زاد ، فيجب الأخذ بالزائد ، أو أن الاقتصار وقع بحسب المقام بالنسبة إلى السائل .
وقد أخرج الطبراني وإسماعيل القاضي عن ابن عباس أنه قيل له : الكبائر سبع قال : هن أكثر من سبع وسبع وفي رواية هي إلى سبعين أقرب وفي رواية : إلى السبعمائة .
قوله : قال الشرك بالله هو أن يجعل لله نداً يدعوه ويرجوه ، ويخافه كما يخاف الله ، بدأ به لأنه أعظم ذنب عصى الله به ، كما في الصحيحين عن ابن مسعود " سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال : أن تجعل لله نداً وهو خلقك ، ..." الحديث ، وأخرج الترمذي بسنده عن صفوان بن عسال قال : قال يهودي لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبي ، فقال له صاحبه : لا تقل نبي ، إنه لو سمعك لكان له أربع أعين ، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن تسع آيات بينات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تقذفوا محصنة ، ولا تولوا للفرار يوم الزحف ، وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت . فقبلا يديه ورجليه . وقالا : نشهد أنك نبي ..." الحديث . وقال : حسن صحيح .
قوله : السحر تقدم معناه . وهذا وجه مناسبة الحديث للترجمة .
وقوله : وقتل النفس التي حرم الله أي حرم قتلها . وهي نفس المسلم المعصوم .
قوله : إلا بالحق أي بأن تفعل ما يوجب قتلها . كالشرك والنفس بالنفس ، والزاني بعد الإحصان ، وكذا قتل المعاهد ، كما في الحديث "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة " .
واختلف العلماء فيمن قتل مؤمناً متعمداً ، وهل له توبة أم لا ؟ فذهب ابن عباس وأبو هريرة وغيرهما إلى أنه لا توبة له ، استدلالاً بقوله تعالى : # 4 : 93 # " ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها " وقال ابن عباس نزلت هذه الآية وهي آخر ما نزل وما نسخها شئ وفي رواية : لقد نزلت في آخر ما نزل وما نسخها شئ حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نزل وحي وروى في ذلك آثار تدل لما ذهب إليه هؤلاء ، كما عند الإمام أحمد والنسائي وابن المنذر عن معاوية : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً " .
وذهب جمهور الأمة سلفاً وخلفاً إلى أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله ، فإن تاب وأناب عمل صالحاً بدل الله سيئاته حسنات ، كما قال تعالى : # 25 : 68 ـ 71 # " والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا " الآيات .
قوله : ومن يقتل مؤمناً متعمداً قال أبو هريرة وغيره هذا جزاؤه إن جازاه .
وقد روى عن ابن عباس ما يوافق قول الجمهور ، فروى عبد بن حميد والنحاس عن سعيد بن عبادة أن ابن عباس رضي الله عنه كان يقول : لمن قتل مؤمناً توبة وكذلك ابن عمر رضي الله عنهما . وروى مرفوعاً " أن جزاءه جهنم إن جازاه " .
قوله : وآكل الربا أي تناوله بأي وجه كان ، كما قال تعالى : # 2 : 275 ـ 280 # " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " الآيات . قال ابن دقيق العيد : وهو مجرب لسوء الخاتمة . نعوذ بالله من ذلك .
قوله : وآكل مال اليتيم يعني التعدي فيه . وعبر بالأكل لأنه أعم وجوه الانتفاع ، كما قال تعالى : # 4 : 10 7" إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً " .
قوله : والتولي يوم الزحف أي الإدبار عن الكفار وقت التحام القتال ، وإنما يكون كبيرة إذا فر إلى غير فئة أو غير متحرف لقتال . كما قيد به في الآية .
قوله : وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات وهو بفتح الصاد : المحفوظات من الزنا ، وبكسرها الحافظات فروجهن منه ، والمراد بالحرائر العفيفات ، والمراد رميهن بزنا أو لواط . والغافلات ، أي عن الفواحش وما رمين به . فهو كناية عن البريئات . لأن الغافل بريء عما بهت به . والمؤمنات ، أي بالله تعالى احترازاً من قذف الكافرات .