من سحر فقد أشرك
 

قوله : وللنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : " من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر . ومن سحر فقد أشرك . ومن تعلق شيئاً وكل إليه " هذا حديث ذكره المصنف من حديث أبي هريرة وعزاه للنسائي . وقد رواه النسائي مرفوعاً وحسنه ابن مفلح .
قوله : وللنسائي هو الإمام الحافظ أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار أبو عبد الرحمن صاحب السنن وغيرها . وروى عن محمد بن المثنى وابن بشار وقتيبة وخلق ، وكان إليه المنتهي في العلم بعلل الحديث ، مات سنة ثلاث وثلثمائة ، وله ثمان وثمانون سنة رحمه الله تعالى .
قوله : من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر اعلم أن السحرة إذا أرادوا عمل السحر عقدوا الخيوط ونفثوا على كل عقدة ، حتى ينعقد ما يريدون من السحر ، قال الله تعالى : " ومن شر النفاثات في العقد " يعني السواحر اللاتي يفعلن ذلك ، والنفث هو النفخ مع الريق ، وهو دون التفل . والنفث فعل الساحر ، فإذا تكيفت نفسه بالخبث والشر الذي يريده المسحور ويستعين عليه بالأرواح الخبيثة نفخ في تلك العقيدة نفخاً معه ريق . فيخرج من نفسه الخبيثة نفس ممازج للشر والأذى مقارن للريق الممارج لذلك ، وقد يتساعد هو والروح الشيطانية على أذى المسحور فيصيبه بإذن الله الكونى القدرى لا الشرعي ، قاله ابن القيم رحمه الله تعالى .
قوله : ومن سحر فقد أشرك نص في أن الساحر مشرك ، إذا لا يتأتى السحر بدون الشرك كما حكاه الحافظ عن بعضهم .
قوله : ومن تعلق شيئاً وكل إليه أي من تعلق قلبه شيئاً : بحيث يعتمد عليه ويرجوه وكله الله إلى ذلك الشئ . فمن تعلق على ربه وإلهه وسيده ومولاه رب كل شئ ومليكه ، كفاه ووقاه وحفظه وتولاه . فنعم المولى ونعم النصير . قال تعالى: # 39 : 36 # " أليس الله بكاف عبده " ومن تعلق على السحرة والشياطين وغيرهم من المخلوقين وكله الله إلى من تعلق فهلك . ومن تأمل ذلك في أحوال الخلق ونظر بعين البصيرة رآى ذلك عياناً ، وهذا من جوامع الكلم . والله أعلم .
قال : وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا هل أنبئكم ما العضه ؟ هي النميمة ، القالة بين الناس " رواه مسلم .
قوله : ألا هل أنبئكم أخبركم و العضه بفتح المهملة وسكون المعجمة ، قال أبو السعادات : هكذا يروي في كتب الحديث . والذي في كتب الغريب ألا أنبئكم ما العضه بكسر العين وفتح الضاد . قال الزمخشري : أصلها العضهة فعلة من العضة وهو البهت . فحذفت لامه ، كما حذفت من السنة والشفة ، وتجمع على عضين ثمن فسره بقوله : هي النميمة القالة بين فأطلق عليها العضه لأنها لا تنفك من الكذب والبهتان غالباً . ذكره القرطبي .
وذكر ابن عبد البر عن يحيى بن أبي كثير قال : يفسد النمام والكذاب في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة . وقال أبو الخطاب في عيون المسائل : ومن السحر السعي بالنميمة والإفساد بين الناس . قال في الفروع : ووجهه أن يقصد الأذى بكلامه وعمله على وجه المكر والحيلة ، أشبه السحر ، وهذا يعرف بالعرف والعادة أنه يؤثر وينتج ما يعمله السحر ، أو أكثر فيعطى حكمه تسوية بين المتماثلين أو المتقاربين . لكن يقال : الساحر إنما يكفر لوصف السحر وهو أمر خاص ودليله خاص ، وهذا ليس بساحر . وإنما يؤثر عمله ما يؤثره فيعطي حكمه إلا فيما اختص به من الكفر وعدم قبول التوبة . انتهى ملخصاً .
وبه يظهر مطابقة الحديث للترجمة . وهو يدل على تحريم النميمة ، وهو مجمع عليه قال ابن حزم رحمه الله : اتفقوا على تحريم الغيبة والنميمة في غير النصيحة الواجبة . وفيه دليل على أنها من الكبائر .
قوله :القالة بين الناس قال أبو السعادات : أي كثرة القول وإيقاع الخصومة بين الناس ومنه الحديث : "فشت القالة بين الناس".