باب ما جاء في التطير
 

قوله : ( باب : ما جاء في التطير )
أي من النهي عنه والوعيد فيه ، مصدر تطير يتطير ، و الطيرة بكسر الطاء وفتح الياء ، وقد تسكن اسم مصدر من تطير طيرة ، كما يقال تخير خيرة ، ولم يجيء في المصادر على هذه الزنة غيرهما ، وأصله التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما ، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم ، فنفاه الشارع وأبطله ، وأخبر أنه لا تأثير له في جلب نفع ولا دفع ضر .
قال المدائني سألت رؤبه بن العجاج قلت : ما السانح ؟ قال : ما ولاك ميامنه . قلت : فما البارح ؟ قال : ما ولاك مياسره . والذي يجيء من أمامك فهو الناطح والنطيح ، والذي يجيء من خلفك فهو القاعد والقعيد .
ولما كانت الطيرة من الشرك المنافي لكمال التوحيد الواجب لكونها من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته ذكرها المصنف رحمه الله في كتاب التوحيد تحذيراً مما ينافي كما التوحيد الواجب .
قوله : وقول الله تعالى : # 7 : 131 # " ألا إنما طائرهم عند الله " ... الآية ذكر تعالى هذه الآية في سياق قوله : " فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه " الآية . المعنى : أن آل فرعون كانوا إذا أصابتهم الحسنة ، أي الخصب والسعة والعافية ، كما فسره مجاهد وغيره ـ قالوا : لنا هذه ، أي نحن الجديرون والحقيقيون به ، ونحن أهله . وإن تصبهم سيئة . أي بلاء وقحط تطيروا بموسى ومن معه ، فيقولون : هذا بسبب موسى وأصحابه أصابنا بشؤمهم فقال الله تعالى : " ألا إنما طائرهم عند الله " قال ابن عباس طائرهم : ماقضى عليهم وقدر لهم وفي رواية شؤمهم عند الله ومن قبله أي إنما جاءهم الشؤم من قبله بكفرهم وتكذيبهم بآياته ورسله .
قوله : " ولكن أكثرهم لا يعلمون " أي أن أكثرهم جهال لا يدرون . ولو فهموا وعقلوا لعلموا أنه ليس فيما جاء به موسى عليه السلام إلى الخير والبركة والسعادة والفلاح لمن آمن به واتبعه .
قوله : وقوله تعالى : # 36 : 19 # " قالوا طائركم معكم " الآية المعنى ـ والله أعلم ـ حظكم وما نابكم من شر معكم ، بسبب أفعالكم وكفركم ومخالفتكم الناصحين ، ليس هو من أجلنا ولا بسببنا . بل ببغيكم وعدوانكم . فطائر الباغي الظالم معه ، فما وقع به من الشر فهو سببه الجالب له . وذلك بقضاء الله وقدره وحكمته وعدله ، كما قال تعالى : 7 68 : 35 ، 36 # " أفنجعل المسلمين كالمجرمين * ما لكم كيف تحكمون " ويحتمل أن يكون المعنى : طائركم معكم . أي راجع عليكم ، فالتطير الذي حصل لكم إنما يعود عليكم . وهذا من باب القصاص في الكلام . ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام : " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم " ذكره ابن القيم رحمه الله .
قوله تعالى : " أإن ذكرتم " أي من أجل أنا ذكرناكم وأمرناكم بتوحيد الله قابلتمونا بهذا الكلام " بل أنتم قوم مسرفون " قال قتادة : أئن ذكرناكم بالله تطيرتم بنا ؟
ومناسبة الآيتين للترجمة : أن التطير من عمل أهل الجاهلية والمشركين . وقد ذمهم الله تعالى به ومقتهم ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التطير وأخبر أنه شرك . كما سيأتي في أحاديث الباب .