من ردته الطيرة فقد أشرك
 

قال : ولأحمد من حديث ابن عمر :" ومن ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك . قالوا فما كفارة ذلك ؟ قال : أن تقول : اللهم لا خير إلا خيرك ، ولا طير إلا طيرك ، ولا إله غيرك " .
هذا الحديث رواه أحمد والطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وفي إسناده ابن لهيعة وبقية رجاله ثقات .
قوله :من حديث ابن عمرو وهو عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل السهمي أبو محمد . وقيل أبو عبد الرحمن ، أحد السابقين المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة الفقهاء . مات في ذي الحجة ليالي الحرة على الأصح بالطائف .
قوله : من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك وذلك أن الطيرة هي التشاؤم بالشئ المرئي أو المسموع ، فإذا رده شئ من ذلك عن حاجته التي عزم عليها كإرادة السفر ونحوه ، فمنعه عما أراده وسعى فيه ما رأى وما سمع تشاؤماً ، فقد دخل في الشرك . كما تقدم ، فلم يخلص توكله على الله بالتفاته إلى ما سواه فيكون للشيطان منه نصيب .
قوله : فما كفارة ذلك ؟ إلى آخره . فإذا قال ذلك وأعرض عما وقع في قلبه ، ولم يلتفت إليه ، كفر الله عنه ما وقع في قلبه ابتداء لزواله عن قلبه بهذا الدعاء المتضمن للاعتماد على الله وحده ، والإعراض عما سواه .
وتضمن الحديث أن الطيرة لا تضر من كرهها ومضى في طريقه ، وأما من لا يخلص توكله على الله واسترسل مع الشيطان في ذلك ، فقد يعاقب بالوقوع فيما يكره ، لأنه أعرض عن واجب الإيمان بالله ، وأن الخير كله بيده ، فهو الذي يجلبه لعبده بمشيئته وإرادته ، وهو الذي يدفع عنه الضر وحده بقدرته ولطفه وإحسانه ، فلا خير إلا منه ، وهو الذي يدفع الشر عن عبده فما أصابه من ذلك فبذنبه ، كما قال تعالى : # 4 : 79 # " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك " .
قوله : وله من حديث الفضل بن عباس إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك .
هذا الحديث عند الإمام أحمد من حديث الفضل بن عباس قال : " خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ، فبرح ظبي ، فمال في شقه فاحتضنته ، فقلت : يا رسول الله تطيرت ، فقال : إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك " وفي إسناده انقطاع ، أي بين مسلمة رواية وبين الفضل ، وهو الفضل بن العباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم . قال ابن معين : قتل يوم اليرموك . وقال غيره : قتل يوم مرج الصفر سنة ثلاث عشرة وهو ابن اثنتين وعشرين سنة . وقال أبو داود : قتل بدمشق . كان عليه درع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قوله : إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك هذا حد الطيرة المنهى عنها : أنها ما يحمل الإنسان على المضمي فيما أراده ، ويمنعه من المضي فيه كذلك . وأما الفأل الذي كان يحبه النبي صلى الله عليه وسلم فيه نوع من بشارة ، فيسر به العبد ولا يعتمد عليه بخلاف ما يمضيه أو يرده ، فإن للقلب عليه نوع اعتماد . فافهم الفرق والله أعلم .