من أحب الله أبغض في الله ووالى في الله
 

قوله : وعن ابن عباس رضي الله عنهما : - من أحب في الله ، وأبغض في الله ، ووالى في الله ، وعادى في الله ، فإنما تنال ولاية الله بذلك ، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك . وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا ، وذلك لا يجدي على أهله شيئاً - رواه ابن جرير .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم الجملة الأولى منه فقط .
قوله : ومن أحب في الله أي أحب أهل الإيمان بالله وطاعته من أجل ذلك .
قوله : وأبغض في الله أي أبغض من كفر بالله وأشرك به وفسق عن طاعته لأجل ما فعلوه مما يسخط الله وإن كانوا أقرب الناس إليه ، كما قال تعالى : # 58 : 22 # - لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله - الآية .
قوله : ووالى في الله هذا والذي قبله من لوازم محبة العبد لله تعالى ، فمن أحب فيه ، ووالى أولياءه ، وعادى أهل معصيته وأبغضهم ، وجاهد أعداءه ونصر أنصاره . وكلما قويت محبة العبد لله في قلبه قويت هذه الأعمال المترتبة عليها ، وبكمالها يكمل توحيد العبد ، ويكون ضعفها على قدر ضعف محبة العبد لربه ، فمقل ومستكثر ومحروم .
قوله : فإنما تنال ولاية الله بذلك أي توليه لعبده . و ولاية بفتح الواو لا غير : أي الأخوة والمحبة والنصرة ، وبالكسر الإمارة ، والمراد هنا الأول . ولأحمد والطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : - لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله . فإذا أحب لله وأبغض لله ، فقد استحق الولاية لله - وفي حديث آخر : - أوثق عري الإيمان الحب في الله ، والبغض في الله عز وجل - رواه الطبراني .
قوله : ولن يجد عبد طعم الإيمان إلى آخره . أي لا يحصل له ذوق الإيمان ولذته وسروره وإن كثرت صلاته وصومه ، حتى يكون كذلك ، أي حتى يحب في الله ويبغض في الله ، ويعادي في الله ، ويوالي فيه .
وفي حديث أبي أمامة مرفوعاً : - من أحب الله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان - رواه أبو داود .
قوله : وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا . وذلك لا يجدي على أهله شيئاً أي لا ينفعهم ، بل يضرهم كما قال تعالى : # 43 ، 67 # - الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين - فإذا كانت البلوى قد عمت بهذا في زمن ابن عباس خير القرون فما زاد الأمر بعد ذلك إلا شدة ، حتى وقعت الموالاة على الشرك والبدع والفسوق والعصيان . وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم بقوله : - بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ - . وقد كان الصحابة رضي الله عنهم من المهاجرين والأنصار في عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما يؤثر بعضهم بعضاً على نفسه محبة في الله وتقرباً إليه ، كما قال تعالى : # 59 : 9 # - ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لقد رأيتنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما منا أحد يرى أنه أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم رواه ابن ماجه .
قوله : وقال ابن عباس في قوله تعالى : # 2 : 166 # - وتقطعت بهم الأسباب - قال : المودة هذا الأثر رواه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه .
قوله : قال المودة أي التي كانت بينهم في الدنيا خانتهم أحوج ما كانوا إليها ، وتبرأ بعضهم من بعض ، كما قال تعالى : # 29 : 25 # - وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين - .
قال العامة ابن القيم في قوله تعالى : # 2 : 166 ، 167 # - إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب - الآيتين فهؤلاء المتبوعون كانوا على الهدى وأتباعهم ادعوا أنهم على طريقهم ومناهجهم ، وهم مخالفون لهم سالكون غير طريقهم ، ويزعمون أن محبتهم لهم تنفعهم مع مخالفتهم ، فيتبرآون منهم يوم القيامة فإنهم اتخذوهم أولياء من دون الله . وهذا حال كل من اتخذ من دون الله أولياء ، يوالي لهم ، ويعادي لهم ، ويرضى لهم ، ويغضب لهم ، فإن أعماله كلها باطلة ، يراها يوم القيامة حسرات عليه مع كثرتها وشدة تعبه فيها ونصبه ، إذ لم يجرد موالاته ومعاداته وحبه وبغضه وإنتصاره وإيثاره لله ورسوله ، فأبطل الله عز وجل ذلك العمل كله . وقطع تلك الأسباب . فينقطع يوم القيامة كل سبب وصلة ووسيلة ومودة كانت لغير الله ، ولا يبقى إلا السبب الواصل بين العبد وربه . وهو حظه من الهجرة إليه وإلى رسوله وتجريده عبادته لله وحده ولوازمها : من الحب والبغض ، والعطاء والمنع ، والموالاة والمعاداة ، والتقرب والإبعاد ، وتجريد ومتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تجريداً محضاً بريئاً من شوائب الالتفات إلى غيره ، فضلاً عن الشرك بينه وبين غيره ، فضلاً عن تقديم قول غيره عليه . فهذا السبب هو الذي لا ينقطع بصاحبه . وهذه هي النسبة التي بين العبد وربه ، وهي نسبة العبودية المحضة ، وهي آخيته التي يجول ما يجول وإليها مرجعه ، ولا تتحقق إلا بتجريده متابعة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ، إذ هذه العبودية إنما جاءت على ألسنتهم ، وما عرفت إلا بهم ولا سبيل إليها إلا بمتابعتهم . وقد قال تعالى : # 25 : 23 # - وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً - فهذه هي الأعمال التي كانت في الدنيا على غير سنة رسله وطريقتهم ولغير وجهه ، يجعلها الله هباءً منثوراً لا ينتفع منها صحابها بشئ أصلاً . وهذا من أعظم الحسرات على العبد يوم القيامة : أن يرى سعيه ضائعاً . وقد سعد أهل السعي النافع بسعيهم . انتهى ملخصاً .