قول الله : إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه
 

قوله : باب
قول الله تعالى : # 3 : 175 # - إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين - .
الخوف من أفضل مقامات الدين وأجلها ، وأجمع أنواع العبادة التي يجب إخلاصها لله تعالى . قال تعالى : # 21 : 28 # - وهم من خشيته مشفقون - وقال تعالى : # 16 : 50 # - يخافون ربهم من فوقهم - وقال تعالى : # 55 : 46 # - ولمن خاف مقام ربه جنتان - وقال تعالى : # 16 : 51 # - فإياي فارهبون - وقال تعالى : # 5 : 44 # - فلا تخشوا الناس واخشون - وأمثال هذه الآيات في القرآن كثير .

أقسام الخوف
والخوف من حيث هو على ثلاثة أقسام :
أحدها : خوف السر ، وهو أن يخاف من غير الله من وثن أو طاغوت أن يصيبه بما يكره ، كما قال تعالى عن قوم هود عليه السلام إنهم قالوا له : # 11 : 54 # - إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون - وقال تعالى : # 39 : 36 # - ويخوفونك بالذين من دونه - وهذا هو الواقع من عباد القبور ونحوها من الأوثان يخافونها ، ويخوفون بها أهل التوحيد إذا أنكروا عبادتها وأمروا بإخلاص العبادة لله ، وهذا ينافي التوحيد .
الثاني : أن يترك الإنسان ما يجب عليه ، خوفاً من بعض الناس ، فهذا محرم وهو نوع من الشرك بالله المنافى لكمال التوحيد . وهذا هو سبب نزول هذه الآية . كما قال تعالى : # 3 : 173 ـ 175 # - الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم* إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه - الآية . وفي الحديث : - إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : ما منعك إذ رأيت المنكر أن لا تغيره ؟ فيقول : رب خشية الناس . فيقول : إباي كنت أحق أن تخشى - .
الثالث : الخوف الطبيعي ، وهو الخوف من عدو أو سبع أو غير ذلك . فهذا لا يذم . كما قال تعالى في قصة موسى عليه السلام : # 28 : 21 # - فخرج منها خائفا يترقب - الآية .
ومعنى قوله : - إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه - أي يخوفكم أولياءه - فلا تخافوهم وخافون - وهذا نهى من الله تعالى للمؤمنين أن يخافوا غيره ، وأمر لهم أن يقصروا خوفهم على الله ، فلا يخافون إلا إياه . وهذا هو الإخلاص الذي أمر به عباده ورضيه منهم . فإذا أخلصوا له الخوف وجميع العبادة أعطاهم ما يرجون وأمنهم من مخاوف الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : # 39 : 36 # - أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه - الآية .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى : ومن كيد عدو الله : أنه يخوف المؤمنين من جنده وأوليائه ، لئلا يجاهدوهم ، لا يأمروهم بمعروف ، ولا ينهوم عن منكر . وأخبر تعالى أن هذا من كيد الشيطان وتخويفه . ونهانا أن نخافهم . قال : والمعنى عند جميع المفسرين : يخوفهم بأوليائه . قال قتادة : يعظمهم في صدوركم . فكلما قوى إيمان العبد زال خوف أولياء الشيطان من قلبه ، وكلما ضعف إيمانه قوى خوفه منهم . فدلت هذه الآية على أن إخلاص الخوف من كمال شروط الإيمان .

- إنما يعمر مساجد الله - الآية
قوله : وقول الله تعالى : # 9 : 18 # - إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين - .
أخبر تعالى أن مساجد الله لا يعمرها إلا أهل الإيمان بالله واليوم الآخر ، الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا بجوارحهم ، وأخلصوا له الخشية دون من سواه ، فأثبت لهم عمارة المساجد بعد أن نفاها عن المشركين . لأن عمارة المساجد بالطاعة والعمل الصالح ، والمشرك وإن عمل فعمله : # 24 : 30 # - كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا - أو # 14 : 18 # - كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف - وما كان كذلك فالعدم خير منه ، فلا تكون المساجد عامرة إلا بالإيمان الذي معظمه التوحيد مع العمل الصالح الخالص من شوائب الشرك والبدع ، وذلك كله داخل في مسمى الإيمان المطلق عند أهل السنة والإجماع .
قوله : - ولم يخش إلا الله - قال ابن عطية : يريد خشية التعظيم والعبادة والطاعة ، ولا محالة أن الإنسان يخشى المحاذير الدنيوية ، وينبغي في ذلك كله قضاء الله وتصريفه .
وقال ابن القيم رحمه الله : الخوف عبودية القلب . فلا يصلح إلا لله ، كالذل والإنابة والمحبة والتوكل والرجاء وغيرها من عبودية القلب .
قوله : - فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين - قال بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما : يقول : إن أولئك هم المهتدون ، وكل عسى في القرآن فهي واجبة وفي الحديث : - إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان قال الله تعالى : - إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر - - رواه أحمد والترمذي والحاكم عن أبي سعيد الخدري .