وعلى الله فتوكلوا إلخ
 

قوله : باب
قوله الله تعالى : # 5 : 23 # - وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين - .
قال أبو السعادات : يقال : توكل بالأمر . إذا ضمن القيام به ، ووكلت أمري إلى فلان . إذا اعتمدت عليه ، ووكل فلان فلاناً إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته ، أو عجزاً عن القيام بأمر نفسه . ا هـ .
وأراد المصنف رحمه الله بهذه الترجمة بالآية بيان أن التوكل فريضة يجب إخلاصه لله تعالى ، فإن تقديم المعمول يفيد الحصر . أي وعلى الله فتوكلوا لا على غيره ، فهو من أجمع أنواع العبادة وأعظمها ، لما ينشأ عنه من الأعمال الصالحة ، فإنه إذا اعتمد على الله في جميع أموره الدينية والدنيوية ، دون كل من سواه صح إخلاصه ومعاملته مع الله تعالى ، فهو من أعظم منازل - إياك نعبد وإياك نستعين - فلا يحصل كمال التوحيد بأنواعه الثلاثة إلا بكمال التوكل على الله ، كما في هذه الآية ، وكما قال تعالى : # 10 : 84 # - إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين - وقوله : # 73 : 9 # - رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً - الآيات في الأمر به كثيرة جداً . قال الإمام أحمد رحمه الله : التوكل عمل القلب .
وقال ابن القيم في معنى الآية المترجم بها : فجعل التوكل على الله شرطاً في الإيمان فدل على إنتفاء الإيمان عند انتفائه ، وفي الآية الآخرى : # 10 : 84 # - قال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين - فجعل دليل صحة الإسلام التوكل ، وكلما قوى إيمان العبد كان توكله أقوى ، وإذا ضعف الإيمان ضعف التوكل وإذا كان التوكل ضعيفاً كان دليلاً على ضعف الإيمان ولا بد . والله تعالى يجمع بين التوكل والعبادة ، وبين التوكل والإيمان ، وبين التوكل والتقوى ، وبين التوكل والإسلام ، وبين التوكل والهداية .
فظهر أن التوكل أصل جميع مقامات الإيمان والإحسان ، ولجميع أعمال الإسلام ، وأن منزلته منها كمنزلة الجسد من الرأس ، فكما لا يقوم الرأس إلا على البدن فكذلك لا يقوم الإيمان ومقاماته وأعماله إلا على ساق التوكل .
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : وما رجا أحد مخلوقاً ولا توكل عليه إلا خاب ظنه فيه ، فإنه مشرك : # 22 : 31 # - ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق - .
قال الشارح رحمه الله تعالى : قلت : لكن التوكل على الله قسمان :
أحدهما : التوكل في الأمور التي لا يقدر الله ، كالذين يتوكلون على الأموات والطواغيت في رجاء مطالبهم من نصر ، أو حفظ أو رزق أو شفاعة . فهذا شرك أكبر .
الثاني : التوكل في الأسباب الظاهرة ، كمن يتوكل على أمير أو سلطان فيما أقدره الله تعالى عليه من رزق ، أو دفع أذى ونحو ذلك ، فهو نوع شرك أصغر . والوكالة الجائزة هي توكيل الإنسان الإنسان في فعل ما يقدر عليه نيابة عنه ، لكن ليس له أن يعتمد في حصوله ما وكل فيه ، بل يتوكل على الله في تيسير أمره الذي يطلبه بنفسه أو نائبه ، وذلك من جملة الأسباب التي يجوز فعلها ، ولا يعتمد عليها بل يعتمد على المسبب الذي أوجد السبب والمسبب .