معنى : حسبك الله ومن ابتعك من المؤمنين
 

قال وقوله : # 8 : 64 # - يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين - قال ابن القيم رحمه الله : أي الله وحده كافيك وكافي أتباعك : فلا تحتاجون معه إلى أحد ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وقيل : المعنى حسبك الله وحسبك المؤمنون .
قال ابن القيم رحمه الله : وهذا خطأ محض لا يجوز حمل الآية عليه ، فإن الحسب والكفاية لله وحده كالتوكل والتقوى والعبادة . قال الله تعالى : # 8 : 62 # - وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين - ففرق بين الحسب والتأييد ، فجعل الحسب له وحده وجعل التأييد له بنصره وبعباده ، وأثنى على أهل التوحيد من عباده حيث أفردوه بالحسب ، فقال تعالى : # 3 : 173 # - الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل - ولم يقولوا : حسبنا الله ورسوله . ونظير هذا قوله سبحانه : # 9 : 59 # - وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون - . فتأمل كيف جعل الإيتاء لله والرسول ، وجعل الحسب له وحده . فلم يقل : وقالوا حسبنا الله ورسوله ، بل جعله خالص حقه ، كما قال - إنا إلى الله راغبون - فجعل الرغبة إليه وحده، كما قال تعالى - وإلى ربك فارغب- فالرغبة والتوكل والإنابة والحسب لله وحده ، كما أن العبادة والتقوى والسجود والنذر والحلق لا يكون إلا له سبحانه وتعالى . انتهى .
وبهذا يتبين مطابقة الآية للترجمة . فإذا كان هو الكافي لعبده وجب ألا يتوكل إلا عليه ، ومتى التفت بقلبه إلى سواه وكله الله إلى من التفت إليه ، كما في الحديث : - من تعلق شيئاً وكل إليه - .
قال : وقول الله تعالى : # 65 : 3 # - ومن يتوكل على الله فهو حسبه - .
قال ابن القيم رحمه الله وغيره : أي كافيه . ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه ولا يضره إلا أذى لا بد منه ، كالحر والبرد والجوع والعطش . وأما أن يضره بما يبلغ به مراده منه فلا يكون أبداً ، وفرق بين الأذى الذي هو الظاهر إيذاء وفي الحقيقة إحسان وإضرار بنفسه ، وبين الضرر الذي يتشفى به منه . قال بعض السلف : جعل الله لكل عمل جزاء من نفسه ، وجعل جزاء التوكل عليه نفس كفايته ، فقال : - ومن يتوكل على الله فهو حسبه - فلم يقل : فله كذا وكذا من الأجر كما قال في الأعمال ، بل جعل نفسه سبحانه كافي عبده المتوكل عليه وحسبه وواقيه . فلو توكل العبد على الله حق توكله ، وكادته السموات والأرض ومن فيهن ، لجعل الله له مخرجاً وكفاه رزقه ونصره . انتهى .
وفي أثر رواه أحمد في الزهد عن وهب بن منبه قال : - قال الله عز وجل في بعض كتبه : بعزتي إنه من اعتصم بي فكادته السموات بمن فيهن والأرضون بمن فيهن ، فإني أجعل له من ذلك مخرجاً ، ومن لم يعتصم بي فإني أقطع يديه من أسباب السماء وأخسف من تحت قدميه الأرض ، فأجعله في الهواء ثم أكله إلى نفسه . كفى بي لعبدي مآلاً . إذا كان عبدي في طاعتي أعطيه قبل أن يسألني ، وأستجيب له قبل أن يدعوني . فأنا أعلم بحاجته التي نرفق به منه - .
وفي الآية دليل على فضل التوكل ، وأنه أعظم الأسباب في جلب المنافع ودفع المضار . لأن الله تعالى علق الجملة الأخيرة على الأولى وتعليق الجزاء على الشرط . فيمتنع أن يكون وجود الشرك كعدمه ، لأنه الله تعالى رتب الحكم على الوصف المناسب له ، فعلم أن توكله هو سبب كون الله حسباً له .
وفيها تنبيه على القيام بالأسباب مع التوكل ، لأنه تعالى ذكر التقوى ثم ذكر التوكل ، كما قال تعالى : # 5 : 11 # - واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون - فجلع التوكل مع التقوى الذي هو قيام الأسباب المأمور بها. فالتوكل بدون القيام بالأسباب المأمور بها عجز محض ، وإن كان مشوباً بنوع من التوكل فلا ينبغي للعبد أن يجعل توكله عجزاً ولا عجزه توكلاً ، بل يجعل توكله من جملة الأسباب التي لا يتم المقصود إلا بها كلها . ذكره ابن القيم بمعناه .
قال : وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : - حسبنا الله ونعم الوكيل - ، قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار ، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا له : - إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل - رواه البخاري .
قوله : حسبنا الله أي كافينا . فلا نتوكل إلا عليه . قال تعالى # 39 : 36 # - أليس الله بكاف عبده ؟ - .
قوله : ونعم الوكيل أي نعم الموكل إليه ، كما قال تعالى : # 22 : 78 # - واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير - ومخصوص نعم محذوف تقديره هو .
قال ابن القيم رحمه الله : هو حسب من توكل عليه وكافى من لجأ إليه ، وهو الذي يؤمن خوف الخائف ، ويجير المستجير ، فمن تولاه واستنصر به وتوكل عليه ، وانقطع بكليته إليه ، تولاه وحفظه وحرسه وصانه . ومن خافه واتقاه ، أمنه مما يخاف ويحذر ، ويجلب إليه ما يحتاج إليه من المنافع .

ما قال إبراهيم حين ألقى في النار
قوله : قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار قال تعالى : # 21 : 68 ـ 70 # - قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم * وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين - .
قوله : وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا له : - إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل - وذلك بعد منصرف قريش والأحزاب من أحد - بلغه أن أبا سفيان ومن معه قد أجمعوا الكرة عليهم ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في سبعين راكباً حتى انتهى إلى حمراء الأسد ، فألقى الله الرعب في قلب أبي سفيان . فرجع إلى مكة بمن معه ، ومر به ركب من عبد القيس فقال : أين تريدون ؟ قالوا : نريد المدينة . قال : فهل أنتم مبلغون محمداً عني رسالة ؟ قالوا : نعم . قال فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم . فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد ، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان . فقال : حسبنا الله ونعم الوكيل - ففي هاتين القصتين فضل هذه الكلمة العظيمة وأنها قول الخليلين عليهما الصلاة والسلام في الشدائد . وجاء في الحديث : - إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل - .