باب قول الله - أفأمنوا مكر الله
 

قوله : باب
قول الله تعالى : # 7 : 99 # - أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون - .
قصد المصنف رحمه الله بهذه الآية التنبيه على أن الأمن من مكر الله من أعظم الذنوب . وأنه ينافي كمال التوحيد ، كما أن القنوط من رحمه الله كذلك وذلك يرشد إلى أن المؤمن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء ، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وأرشد إليه سلف الأمة والأئمة .
ومعنى الآية : أن الله تبارك وتعالى لما ذكر حال أهل القرى المكذبين للرسل بين أن الذي حملهم على ذلك هو الأمن مكر الله وعدم الخوف منه ، كما قال تعالى : # 7 : 96 ـ 98 # - أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون * أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون - . أي الهالكون . وذلك أنهم أمنوا مكر الله لما استدرجهم بالسراء والنعم ، فاستبعدوا أن يكون ذلك مكراً .
قال الحسن رحمه الله : من وسع الله عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأى له .
وقال قتادة : بغت القوم أمر الله ، وما أخذ الله قوماً قط إلى عند سلوتهم ونعمتهم غرتهم . فلا تغتروا بالله .
وفي الحديث : - إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج - رواه أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم .
وقال إسماعيل بن رافع : - من الأمن من مكر الله إقامة العبد على الذنب يتمنى على الله المغفرة - رواه ابن أبي حاتم .
وهذا هو تفسير المكر في قول بعض السلف : يستدرجهم الله بالنعم إذا عصوه ، ويملى لهم ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر . وهذا هو معنى المكر والخديعة ونحو ذلك ، ذكره ابن جرير بمعناه .
قال : وقول الله تعالى : # 15 : 56 # - ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون - القنوط : استبعاد الفرج واليأس منه . وهو يقابل الأمن من مكر الله . وكلاهما ذنب عظيم . وتقدم ما فيه لمنافاته لكمال التوحيد .
وذكر المصنف رحمه الله تعالى هذه الآية مع التي قبلها تنبيهاً على أنه لا يجوز لمن خاف الله أن يقنط من رحمته ، بل يكون خائفاً راجياً ، يخاف ذنوبه ويعمل بطاعته ، ويرجو رحمته ، كما قال تعالى : # 39 : 9 # - أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه - وقال : # 2 : 218 # - إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم - فالرجاء مع المعصية وترك الطاعة غرور من الشيطان ، ليوقع العبد في المخاوف مع ترك الأسباب المنجية من المهالك ، بخلاف حال أهل الإيمان الذين أخذوا بأسباب النجاة خوفاً من الله تعالى وهرباً من عقابه ، وطمعاً في المغفرة ورجاء لثوابه .
والمعنى أن الله تعالى حكى قول خليله إبراهيم عليه السلام ، لما بشرته الملائكة بابنه إسحاق : # 15 : 54 # - قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون - لأن العادة أن الرجل إذا كبر سنه وسن زوجته استبعد أن يولد له منها . والله على كل شئ قدير ، فقالت الملائكة : - بشرناك بالحق - الذي لا ريب فيه . فإن الله إذا أراد شيئاً إنما يقول له كن فيكون : - فلا تكن من القانطين - أي من الأيسين ، فقال عليه السلام : - ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون - فإنه يعلم من قدرة الله ورحمته ما هو أبلغ من ذلك وأعظم ، لكنه ـ والله أعلم ـ قال ذلك على وجه التعجب .
قوله : - إلا الضالون - قال بعضهم : إلا المخطئون طريق الصواب ، أو إلا الكافرون . كقوله : # 12 : 87 # - إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون - .