اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله
 

قوله : عن عدي بن حاتم رضي الله عنه : أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأهذه الآية : # 9 : 31 # - اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم - الآية . فقلت : - إنا لسنا نعبدهم . قال : أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه ؟ فقلت : بلى ، قال : فتلك عبادتهم - رواه أحمد والترمذي وحسنه .
هذا الحديث قد روى من طرق ، فرواه ابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني ، وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي .
قوله : عن عدي بن حاتم أي الطائي المشهور . وحاتم هو ابن عبد الله بن سعد بن الحشرج ـ بفتح الحاء ـ المشهور بالسخاء والكرم . قدم عدي على النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة تسع من الهجرة . فأسلم وعاش مائة وعشرين سنة .
وفي الحديث دليل على أن طاعة الأحبار والرهبان في معصية الله عبادة لهم من دون الله ، ومن الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله لقوله تعالى في آخر الآية : - وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون - ونظير ذلك في قوله تعالى : # 6 : 121 # - ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون - وهذا قد وقع فيه كثير من الناس مع من قلدوهم ، لعدم إعتبارهم الدليل إذا خالف المقلد ، وهو من هذا الشرك . ومنهم من يغلو في ذلك ويعتقد أن الأخذ بالدليل والحالة هذه يكره ، أو يحرم ، فعظمت الفتنة . ويقول : هم أعلم منا بالأدلة . ولا يأخذ بالدليل إلا المجتهد ، وربما تفوهوا بذم من يعمل بالدليل ، ولا ريب أن هذا من غربة الإسلام كما قال شيخنا رحمه الله في المسائل :
فتغيرت الأحوال ، وآلت إلى هذه الغاية فصارت عند الأكثر عبادة الرهبان هي أفضل الأعمال ، ويسمونها ولاية ، وعبادة الأحبار هي العلم والفقه . ثم تغيرت الحال إلى أن عبد من ليس من الصالحين ، وعبد بالمعنى الثاني من هو من الجاهلين .
وأما طاعة الأمراء ومتابعتهم فيما يخالف ما شرعه الله ورسوله فقد عمت بها البلوى قديماً وحديثاً في أكثر الولاة بعد الخلفاء الراشدين وهلم جرا . وقد قال تعالى : # 28 : 50 # - فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين - .
وعن زياد بن حدير قال : قال لي عمر رضي الله عنه : - هل تعرف ما يهدم الإسلام ؟ قلت : لا ، قال : يهدمه زلة العالم ، وجدال المنافق بالقرآن ، وحكم الأئمة المضلين - رواه الدارمى .
جعلنا الله وإياكم من الذين يهدون بالحق وبه يعدلون .