وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون
 

قوله : # 2 : 11 # - وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون - قال أبو العالية في الآية : يعني لا تعصوا في الأرض . لأن من عصى الله في الأرض أو أمر بمعصية الله فقد أفسد في الأرض ، لأن صلاح الأرض والسماء إنما هو بطاعة الله ورسوله . وقد أخبر تعالى عن إخوة يوسف عليه السلام في قوله تعالى : # 12 : 70 ـ 72 # - ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون- ـ إلى قوله ـ - قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين - فدلت الآية على أن كل معصية فساد في الأرض .
ومناسبة الآية للترجمة : أن التحاكم إلى غير الله ورسوله من أعمال المنافقين وهو الفساد في الأرض .
وفي الآية : التنبيه على عدم الإغترار بأقوال أهل الأهواء وإن زخرفوها بالدعوى .
وفيها التحذير من الاغترار بالرأي ما لم يقم على صحة دليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فما أكثر من يصدق بالكذب ويكذب بالصدق إذا جاءه ، وهذا من الفساد في الأرض ويترتب عليه من الفساد أمور كثيرة ، تخرج صاحبها عن الحق وتدخله في الباطل . نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة .
فتدبر تجد ذلك في حال الأكثر إلا من عصمه الله ومن عليه بقوة داعي الإيمان ، وأعطاه عقلاً كاملاً عند ورود الشهوات ، وبصراً نافذاً عند ورود الشبهات ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
قوله : # 7 : 56 # - ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها - قال أبو بكر بن عياش في الآية : إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أهل الأرض وهم فساد ، فأصلحهم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم فمن دعا إلى خلاف ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو من المفسدين في الأرض .
وقال ابن القيم رحمه الله : قال أكثر المفسرين : لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله لها ببعث الرسل ، وبيان الشريعة والدعاء إلى طاعة الله ، فإن عبادة غير الله والدعوة إلى غيره والشرك به هو أعظم فساد في الأرض ، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك به ومخالفة أمره ، فالشرك والدعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره ، ومطاع متبع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو أعظم فساد في الأرض ، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلا أن يكون الله وحده هو المطاع ، والدعوة له لا لغيره ، والطاعة والاتباع لرسوله ليس إلا ، وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم . فإذا أمر بمعصية وخلاف شريعته فلا سمع ولا طاعة . ومن تدبر أحوال العالم وجد كل صلاح في الأرض فسببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله، وكل شر في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدو وغير ذلك فسببه مخالفة رسوله والدعوة إلى غير الله ورسوله. ا هـ .
ووجه مطابقة هذه الآية للترجمة : أن التحاكم إلى غير الله ورسوله من أعظم ما يفسد الأرض من المعاصي ، فلا صلاح لها إلا بتحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو سبيل المؤمنين ، كما قال تعالى : # 4 : 15 # - ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا - .
قوله : ( وقول الله تعالى : # 5 : 50 # - أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون - .
قال ابن كثير رحمه الله : ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله تعالى المشتمل على كل خير ، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله ، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الجهالات والضلالات كما يحكم به التتار من السياسات المأخوذة عن جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق وهو عبارة عن كتاب أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وفيها كثير من الأحكام أخذها عن مجرد نظرة وهواه. فصارت في بنيه شرعاً يقدمونها على الحكم بالكتاب والسنة ، فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله ، فلا يحكم بسواه في قليل ولا كثير .
قوله : - ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون - استفهام إنكار أي لا حكم أحسن من حكمه تعالى . وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس له في الطرف الآخر مشارك ، أي ومن أعدل من الله حكماً لمن عقل عن الله شرعه وآمن وأيقن أنه تعالى أحكم الحاكمين ، وأرحم بعباده من الوالدة بولدها ، العليم بمصالح عباده القادر على كل شئ ، الحكم في أقواله وأفعاله وشره وقدره ؟ .
وفي الآية ، التحذير من حكم الجاهلية وإختياره على حكم الله ورسوله ، فمن فعل ذلك فقد أعرض عن الأحسن ، وهو الحق ، إلى ضده من الباطل .