من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر
 

قوله : وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : - من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك - رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم .
قوله : فقد كفر أو أشرك يحتمل لي أن يكون شكاً من الراوي ويحتمل أن تكون أو بمعنى الواو فيكون قد كفر وأشرك . ويكون الكفر الذي هو دون الكفر الأكبر . كما هو من الشرك الأصغر . وورد مثل هذا عن ابن مسعود بهذا اللفظ .
قوله : وقال ابن مسعود : لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلى من أن أحلف بغيره صادقاً .
ومن المعلوم أن الحلف بالله كاذباً كبيرة من الكبائر لكن الشرك أكبر من الكبائر . وإن كان أصغر كما تقدم بيان ذلك ، فإذا كان هذا حال الشرك الأصغر فكيف بالشرك الأكبر الموجب للخلود في النار ؟ كدعوة غير الله والاستغاثة به ، والرغبة إليه ، وإنزال حوائجه به ، كما هو حال الأكثر من هذه الأمة في هذه الأزمان وما قبلها : من تعظيم القبور ، واتخاذهها أوثاناً ، والبناء عليها ، واتخاذها مساجد ، وبناء المشاهد باسم الميت لعبادة من بنيت باسمه وتعظيمه ، والإقبال عليه بالقلوب والأقوال والأعمال . وقد عظمت البلوى بهذا الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله ، وتركوا ما دل عليه القرآن العظيم من النهي عن هذا الشرك وما يوصل إليه . قال الله تعالى : # 7 : 37 # - فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين - كفرهم الله تعالى بدعوتهم من كانوا يدعونه من دونه في دار الدنيا . وقد قال تعالى : # 72 : 18 # - وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا - وقال تعالى : # 72 : 20 ـ 21 # - قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا * قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا - وهؤلاء المشركون عكسوا الأمر فخالفوا ما بلغ به الأمة وأخبر به عن نفسه صلى الله عليه وسلم ، فعاملوه بما نهاهم عنه من الشرك بالله والتعلق على غير الله حتى قال قائلهم :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي فضلاً ، وإلا فقل : يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
فانظر إلى هذا الجهل العظيم حيث اعتقد أنه لا نجاة له إلا بعياذه ولياذه بغير الله ، وانظر إلى هذا الإطراء العظيم الذي تجاوز الحد في الإطراء الذي نهي عنه صلى الله عليه وسلم بقوله : - لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله - رواه مالك وغيره ، وقد قال تعالى : # 6 : 50 # - قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك - .
فانظر إلى هذه المعارضة العظيمة للكتاب والسنة والمحادة لله ورسوله . وهذا الذي يقوله هذا الشاعر هو الذي في نفوس كثير خصوصاً ممن يدعون العلم والمعرفة . ورأوا قراءة هذه المنظومة ونحوها لذلك وتعظيمها من القربات فإن لله وإنا إليه راجعون .
قوله : وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : - لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ، ولكن قولوا ما شاء الله ، ثم شاء فلان - رواه أبو داود بسند صحيح .
وذلك لأن المعطوف بالواو يكون مساوياً للمعطوف عليه ، لكونها إنما وضعت لمطلق الجمع . فلا تقتضي ترتيباً ولا تعقيباً . وتسوية المخلوق بالخالق شرك ، إن كان في الأصغر ـ مثل هذا ـ فهو أصغر ، وإن كان في الأكبر فهو أكبر . كما قال تعالى عنهم في الدار الآخرة : # 21 : 97 ، 98 # - تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين - بخلاف المعطوف بثم . فإن المعطوف بها يكون متراخياً عن المعطوف عليه بمهملة . فلا محذور لكونه صار تابعاً .
قوله : وعن إبراهيم النخعي : أنه يكره أن يقول الرجل أعوذ بالله وبك . ويجوز أن يقول : بالله ثم بك . قال ويقول : لولا الله ثم فلان . لا تقولوا : لولا الله وفلان .
وقد تقدم الفرق بين ما يجوز وما لا يجوز من ذلك . هذا إنما هو في الحي الحاضر الذي له قدرة وسبب في الشئ . وهو الذي يجري في حقه مثل ذلك . وأما في حق الأموات الذين لا إحساس لهم بمن يدعوهم ولا قدرة لهم على نفع ولا ضر . فلا يقال في حقهم شئ من ذلك . فلا يجوز التعلق عليه بشئ ما بوجه من الوجوه ، والقرآن يبين ذلك وينادي بأنه يجعلهم آلهة إذا سئلوا شيئاً من ذلك ، أو رغب إليهم أحد بقوله أو عمله الباطن أو الظاهر ، فمن تدبر القرآن ورزق فهمه صار على بصيرة من دينه وبالله التوفيق .
والعلم لا يؤخذ قسراً وإنما يؤخذ بأسباب ذكرها بعضهم في قوله :
أخي ، لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص ، واجتهاد وبلغة وإرشاد أستاذ ، وطول زمان
وأعظم من هذه الستة من رزقه الله تعالى الفهم والحفظ ، وأتعب نفسه في تحصيله فهو الموفق لمن شاء من عباده . كما قال تعالى : # 4 : 113 # - وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما - .
ولقد أحسن العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى من حيث قال :
والجهل داء قاتل وشفاؤه أمران في التركيب متفقان
نص من القرآن ، أو من سنة وطبيب ذاك العالم الرباني
والعلم أقسام ثلاث ، ما لها من رابع ، والحق ذو تبيان
علم بأوصاف الإله وفعله وكذلك الأسماء للرحمن
والأمر والنهي الذي هو دينه وجزاؤه يوم المعاد الثاني
والكل في القرآن والسنن التي جاءت عن المبعوث بالقرآن
والله ما قال امرؤ متحذلق بسواهما إلا من الهذيان