باب : قول ما شاء الله وشئت
 

باب
قول : ( ما شاء الله وشئت )
عن قتيلة : - أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنكم تشركون . تقولون : ما شاء الله وشئت ، وتقولون ، وتقولون : والكعبة . فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا : ورب الكعبة . وأن يقولوا : ما شاء الله ثم شئت - رواه النسائي وصححه .
قوله : عن قتيلة بمثناة مصغرة بنت صيفي الأنصارية صحابية مهاجرة ، لها حديث في سنن النسائي ، وهو المذكور في الباب . ورواه عنها عبد الله بن يسار الجعفي .
وفيه : قبول الحق مما جاء به كائناً من كان . وفيه : بيان النهي عن الحلف بالكعبة ، مع أنها بيت الله التي حجها وقصدها بالحج والعمرة فريضة . وهذا يبين أن النهي عن الشرك بالله عام لا يصلح منه شئ ، لا لملك مقرب ولا نبي مرسل . ولا للكعبة التي هي بيت الله في أرضه . وأنت ترى ما وقع من الناس اليوم من الحلف بالكعبة وسؤالها ما لا يقدر عليه إلا الله . ومن المعلوم أن الكعبة لا تضر ولا تنفع . وإنما شرع الله لعباده الطواف بها والعبادة عندها وجعلها للأمة قبلة : فالطواف بها مشروع والحف بها ودعاؤها ممنوع . فميز أيها المكلف بين ما يشرع وما يمنع ، وإن خالفك من خالفك من جهة الناس الذين هم كالأنعام ، بل هم أضل سبيلاً .
قوله : إنكم تشركون . تقولون : ما شاء الله وشئت والعبد وإن كانت له مشيئة فمشيئته تابعة لمشيئة الله ، ولا قدرة له على أن يشأ شيئاً إلا إذا كان الله قد شاءه ، كما قال تعالى : # 81 : 28 ، 29 # - لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين - وقوله : # 76 : 29 ، 30 # - إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا * وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما - .
وفي هذه الآيات والأحاديث : الرد على القدرية والمعتزلة ، نفاة القدر الذين يثبتون للعبد مشيئة تخالف ما أراده الله تعالى من العبد وشاءه ، وسيأتي ما يبطل قولهم في : باب ما جاء في منكري القدر إن شاء الله تعالى ، وأنهم مجوس هذه الأمة .
وأما أهل السنة والجماعة فتمسكوا بالكتابة والسنة في هذا الباب وغيره . واعتقدوا أن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله تعالى في كل شئ مما يوافق ما شرعه الله وما يخالفه ، من أفعال العباد وأقوالهم . فالكل بمشيئة الله وإرادته . فما وافق ما شرعه رضيه وأحبه . وما خالفه كرهه من العبد ، كما قال تعالى : # 39 : 7 # - إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر - الآية . وفيه : بيان أن الحلف بالكعبة شرك . فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقر اليهودي على قوله : إنكم تشركون .
قوله : وله أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما - أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت ، قال : أجعلتني لله نداً ؟ بل ما شاء الله وحده - .
هذا يقرر ما تقدم من أن هذا شرك ، لوجود التسوية في العطف بالواو .
وقوله : أجعلتني لله نداً فيه بيان أن من سوى العبد بالله ولو في الشرك الأصغر فقد جعله نداً لله شاء أم أبى ، خلافاً لما يقوله الجاهلون ، مما يختص بالله تعالى من عباده ، وما يجب النهي عنه من الشرك بنوعيه . ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.
قوله : ولابن ماجه : عن الطفيل أخي عائشة لأمها قال : رأيت فيما يرى النائم كأني أتيت على نفر من اليهود ، فقلت : من أنتم ؟ قالوا : نحن اليهود ، قلت : إنكم لأنتم القوم ، لولا أنكم تقولون عزير ابن الله. قالوا : وإنكم لأنتم القوم ، لولا أنكم تقولون : ما شاء الله وشاء محمد . ثم مررت بنفر من النصارى فقلت : من أنتم ؟ قالوا نحن النصارى . قلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون : المسيح ابن الله ، قالوا : وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون : ما شاء الله وشاء محمد ، فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : هل أخبرت بها أحداً ؟ قلت: نعم. قال : فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال : أما بعد فإن طفيلاً رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم ، وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها . فلا تقولوا : ما شاء الله وشاء محمد ، ولكن قولوا : ما شاء الله وحده .
قوله : عن الطفيل أخي عائشة لأمها هو الطفيل بن عبد الله بن سخبرة أخو عائشة لأمها ، صحابي له حديث عند ابن ماجه ، وهو ما ذكره المصنف في الباب .
وهذه الرؤيا حق أقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل بمقتضاها . فنهاهم أن يقولوا : ما شاء الله وشاء محمد ، وأمرهم أن يقولوا : ما شاء الله وحده .
وهذا الحديث والذي قبله فيه أن يقولوا : ما شاء الله وحده ولا ريب أن هذا أكمل في الإخلاص وأبعد عن الشرك من أن يقولوا: ثم شاء فلان لأن فيه التصريح بالتوحيد المنافي للتنديد في كل وجه . فالبصير يختار لنفسه أعلى مراتب الكمال في مقام التوحيد والإخلاص .
قوله : كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها ورد في بعض الطرق : أنه كان يمنعه الحياء منهم وبعد هذا الحديث الذي حدثه به الطفيل عن رؤياه خطبهم صلى الله عليه وسلم فنهى عن ذلك نهياً بليغاً ، فما زال صلى الله عليه وسلم يبلغهم حتى أكمل الله له الدين وأتم له به النعمة ، وبلغ البلاغ المبين ، صلوات الله وسلامهم عليه وعلى آله وصبحه أجمعين .
وفيه معنى قوله صلى الله عليه وسلم : - الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة - .
قلت : وإن كان رؤيا منام فهي وحي يثبت بها ما يثبت بالوحي أمراً ونهياً . والله أعلم .