باب إحترام أسماء الله
 

باب
( احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك )
عن أبي شريح : أنه كان يكنى أبا الحكم . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : - إن الله هو الحكم . وإليه الحكم ، فقال : إن قومي إذا اختلفوا في شئ أتوني فحكمت بينهم فرضى كلا الفريقين . فقال : ما أحسن هذا . فما لك من الولد ؟ قل : شريح ومسلم وعبد الله . قال : فمن أكبرهم ؟ قلت : شريح . قال : فأنت أبو شريح - رواه أبو داود وغيره .
قوله : عن أبي شريح قال في خلاصة التهذيب: هو أبو شريح الخزاعي اسمه خويلد بن عمرو أسلم يوم الفتح ، له عشرون حديثاً ، اتفقا على حديثين وانفرد البخاري بحديث ، وروى عنه أبو سعيد المقبري ونافع بن جيير وطائفة . قال ابن سعد : مات بالمدينة سنة ثمان وستين . وقال الشارح اسمه هانيء بن يزيد الكندي قاله الحافظ ، وقيل : الحارث الضبابي . قاله المزي .
قوله : يكنى الكنية ما صدر بأب أو أم ونحو ذلك واللقب ما ليس كذلك كزين العابدين ونحوه .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله هو الحكم وإليه الحكم فهو سبحانه الحكم في الدنيا والآخرة ، يحكم بين خلقه في الدنيا بوحيه الذي أنزل على أنبيائه ورسله ، وما من قضية إلا ولله فيها حكم بما أنزل على نبيه من الكتاب والحكمة ، وقد يسر الله معرفة ذلك لأكثر العلماء من هذه الأمة ، فإنها لا تجتمع على ضلالة ، فإن العلماء وإن اختلفوا في بعض الأحكام فلا بد أن يكون المصيب فيهم واحداً ، فمن رزقه الله تعالى قوة الفهم وأعطاه ملكة يقتدر بها على فهم الصواب من أقوال العلماء يسر له ذلك بفضله ومنه عليه وإحسانه إليه ، فما أجلها من عطية ، فنسأل الله من فضله .
قوله : وإليه الحكم في الدنيا والآخرة كما قال تعالى : # 42 : 10 # - وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله - وقال : # 4 : 59 # - فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا - فالحكم إلي الله هو الحكم إلى كتابه ، والحكم إلى رسوله هو الحكم إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته .
وقد قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن : - بم تحكم ؟ قال : بكتاب الله : قال : فإن لم تجد ؟ قال : بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال فإن لم تجد ؟ قال أجتهد رأيي . فقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله إلى ما يرضى رسول الله - فمعاذ من أجل علماء الصحابة بالأحكام ومعرفة الحلال من الحرام ، ومعرفة أحكام الكتاب والسنة . ولهذا ساغ له الاجتهاد إذا لم يجد للقضية حكماً في كتاب الله ، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، بخلاف ما يقع اليوم وقبله من أهل التفريط في الأحكام ممن يجهل حكم الله في كتابه وسنة رسوله ، فيظن أنه الاجتهاد يسوغ له مع الجهل بأحكام الكتاب والسنة وهيهات .
وأما يوم القيامة فلا يحكم بين الخلق إلا الله عز وجل إذا نزل لفصل القضاء بين العباد ، فيحكم بين خلقه بعلمه . وهو الذي لا يخفى عليه خافية من أعمال خلقه : # 4 : 40 # - إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً - والحكم يوم القيامة إنما هو بالحسنات والسيئات ، فيؤخذ للمظلوم من الظالم من حسناته بقدر ظلامته إن كان له حسنات ، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم ، فطرح على سيئات الظالم لا يزيد على هذا مثقال ذرة ولا ينقص هذا عن حقه بمثقال ذرة .
قوله : فإن قومي إذا اختلفوا في شئ أتوني فحكمت بينهم فرضى كلا الفريقين فقال : ما أحسن هذا فالمعنى ـ والله أعلم ـ أن أبا شريح لما عرف منه قومه أنه صاحب إنصاف وتحر للعدل بينهم ومعرفة ما يرضيهم من الجانبين صار عندهم مرضياً وهذا هو الصلح : لأن مدارؤ على الرضى لا على الإلزام . ولا على الكهان وأهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ولا على الاستناد إلى أوضاع أهل الجاهلية من أحكام كبرائهم وأسلافهم التي تخالف حكم الكتاب والسنة . كما قد يقع اليوم كثيراً ، كحال الطواغيت الذين لا يلتفتون إلى حكم الله ولا إلى حكم رسوله . وإنما المعتمد عندهم ما حكموا به بأهوائهم وآرائهم .
وقد يلتحق بهذا بعض المقلدة لمن لم يسغ تقليده فيعتمد على قول من قلده ويترك ما هو الصواب الموافق لأصول الكتاب والسنة . والله المستعان .
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : - فما لك من الولد ؟ قال شريح ، ومسلم ، وعبد الله . قال : فمن أكبرهم ؟ قلت : شريح. قال : فأنت أبو شريح - فيه تقديم الأكبر في الكنية وغيرها غالباً . وجاء هذا المعنى في غير ما حديث والله أعلم .