باب : لا يقال السلام على الله
 

قوله : ( باب لا يقال : السلام على الله ) .
قوله : في الصحيح عن ابن مسعود ـ إلخ هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : - كنا إذا جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا : السلام على الله قبل عباده ، السلام على فلان وفلان ـ الحديث - وفي آخره ذكر التشهد الآخير . رواه الترمذي من حديث الأسود بن يزيد عن ابن مسعود . وذكر في الحديث سبب النهي عن ذلك بقوله : - فإن الله هو السلام ومنه السلام - وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة المكتوبة يستغفر ثلاثاً ويقول : - اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام - . وفي الحديث : - إن هذا هو تحية أهل الجنة لربهم تبارك وتعالى - وفي التنزيل ما يدل على أن الرب تبارك وتعالى يسلم عليهم في الجنة . كما قال تعالى : # 36 : 58 # - سلام قولاً من رب رحيم - .
ومعنى قوله : إن الله هو السلام إن الله سالم من كل نقص ومن كل تمثيل . فهو الموصوف بكل كمال ، المنزه عن كل عيب ونقص .
قال العلامة ابن القيم في بدائع الفوائد : السلام اسم مصدر . وهو من ألفاظ الدعاء . يتضمن الإنشاء والإخبار ، فجهة الخبر فيه لا تناقض الجهة الإنشائية . وهو معنى السلام المطلوب عند التحية . وفيه قولان مشهوران :
الأول : أن السلام هنا هو الله عز وجل . ومعنى الكلام : نزلت بركته عليكم ونحو ذلك . فاختير في هذا المعنى من أسمائه عز وجل اسم السلام دون غيره من الأسماء .
الثاني : أن السلام مصدر بمعنى السلامة . وهو المطلوب المدعو به عند التحية ومن حجة أصحاب القول : أنه يأتي منكراً ، فيقول المسلم : سلام عليكم ولو كان اسماً من أسماء الله لم يستعمل كذلك . ومن حجتهم : أنه ليس المقصود من السلام هذا المعنى ، وإنما المقصود منه الإيذان بالسلامة خبراً ودعاء .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله : وفصل الخطاب أن يقال : الحق في مجموع القولين . فكل منهما بعض الحق ، والصواب في مجموعهما . وإنما يتبين ذلك بقاعدة . وهي : أن حق من دعا الله بأسمائه الحسنى أن يسأل في كل مطلوب ويتوسل بالاسم المقتضى لذلك المطلوب ، المناسب لحصوله ، حتى إن الداعي متشفع إلى الله تعالى متوسل به إليه . فإذا قال : رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور . فقد سأله أمرين وتوسل إليه باسمين من أسمائه ، مقتضيين لحصول مطلوبه . وقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه وقد سأله ما يدعو به - قل : اللهم أني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مفغرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم - فالمقام لما كان مقام طلب السلامة التي هي أهم عند الرجل ، أتى في طلبها بصيغة اسم من أسماء الله تعالى وهو السلام الذي تطلب منه السلامة . فتضمن لفظ السلام معنين : أحدهما : ذكر الله، والثاني: طلب السلامة . وهو مقصود المسلم . فقد تضمن سلام عليكم اسماً من اسماء الله وطلب السلامة منه . فتأمل هذه الفائدة . وحقيقته : البراءة والخلاص والنجاة من الشر والعيوب . وعلى هذا المعنى تدور تصاريفه ، فمن ذاك قولهم : سلمك الله ، ومنه دعاء المؤمنين على الصراط رب سلم سلم ومنه سلم الشئ لفلان ، أي خلص له وحده . قال تعالى : # 39 : 29 # - ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل - أي خالصاً له وحده لا يملكه معه غيره . ومنه السلم ضد الحرب : لأن كل واحد من المتحاربين يخلص ويسلم من أذى الآخر ، ولهذا بنى فيه على المفاعلة ، فقيل : المسالمة مثل المشاركة . ومنه القلب السليم وهو النفي من الدغل والعيب . وحقيقته : الذي قد سلم لله وحده ، فخلص من دغل الشرك وغله ، ودغل الذنوب والمخالفات ، فهو مستقيم على صدق حبه وحسن معاملته . وهذا هو الذي ضمن له النجاة من عذاب الله والفوز بكرامته . ومنه أخذ الإسلام ، فإنه من هذه المادة ، لأنه الاستسلام والانقياد لله ، والتخلص من شوائب الشرك ، فسلم لربه وخلص له ، كالعبد الذي سلم لمولاه ليس له فيه شركاء متشاكسون . ولهذا ضرب سبحانه هذين المثلين للمسلم الخالص لربه وللمشرك به .