قول : اللهم اغفر لي إن شئت
 

قوله : باب
قول : اللهم اغفر لي إن شئت
يعني أن ذلك لا يجوز لورود النهي عنه في حديث الباب .
قوله : في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : - لا يقل أحدكم : اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت ، ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له - بخلاف العبد ، فإنه قد يعطي السائل مسألته . لحاجته إليه، أو لخوفه أو رجائه ، فيعطيه مسألته وهو كاره . فاللائق بالسائل للمخلوق أن يعلق حصول حاجته على مشيئة المسؤول ، مخافة أن يعطيه وهو كاره ، بخلاف رب العالمين ، فإنه تعالى لا يليق به ذلك لكمال غناه عن جميع خلقه ، وكمال جوده وكرمه ، وكلهم فقير إليه ، محتاج لا يستغني عن ربه طرفة عين وعطاؤه كلام . وفي الحديث : - يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة ، سخاء الليل والنهار . أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض ؟ فإنه لم يغض ما في يمينه ، وفي يده الأخرى القسط يخفضه ويرفعه - يعطي تعالى لحكمة ويمنع لحكمة وهو الحكيم الخبير . فاللائق بمن سأل الله أن يعزم المسألة ، فإنه لا يعطي عبده شيئاً عن كراهة ولا عن عظم مسألة . وقد قال بعض الشعراء فيمن يمدحه :
ويعظم في عين الصغير صغارها ويصغر في عين العظيم العظائم
وهذا بالنسبة إلى ما في نفوس أرباب الدنيا ، وإلا فإن العبد يعطي تارة ويمنع أكثر ، ويعطي كرهاً ، والبخل عليه أغلب . وبالنسبة إلى حاله هذه فليس عطاؤه بعظيم ، وأما ما يعطيه الله تعالى عباده فهو دائم مستمر ، يجود بالنوال قبل السؤال من حين وضعت النطفة في الرحم . فنعمه على الجنين في بطن أمه دارة ، يربيه أحسن تربية ، فإذا وضعته أمه عطف عليه والديه ورباه بنعمة حتى يبلغ أشد ، يتقلب في نعم الله مدة حياته ، فإن كانت حياته على الإيمان والتقوى ازدادت نعم الله تعالى عليه إذا توفاه أضعاف أضعاف ما كان عليه في الدنيا من النعم التي لا يقدر قدرها إلا الله ، مما أعده الله تعالى لعباده المؤمنين المتقين . وكل ما يناله العبد في الدنيا من النعم وإن كان بعضها على يد مخلوق فهو بإذن الله وإرادته وإحسانه إلى عبده ، فالله تعالى هو المحمود على النعم كلها ، فهو الذي شاءها وقدرها وأجراها عن كرمه وجوده وفضله . فله النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن . قال تعالى : # 16 : 53 # - وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون - وقد يمنع سبحانه عبده إذا سأله لحكمة وعلم بما يصلح عبده من العطاء والمنع ، وقد يؤخر ما سأله عبده لوقته المقدر ، أو ليعطيه أكثر . فتبارك الله رب العالمين .
وقوله :ولمسلم : وليعظم الرغبة أي في سؤاله ربه حاجته ، فإنه يعطي العظائم كرماً وجوداً وإحساناً . فالله تعالى لا يتعاظمه شئ أعطاه ، أي ليس شئ عنده بعظيم ، وإن عظم في نفس المخلوق . لأن سائل المخلوق لا يسأله إلا ما يهون عليه بذله بخلاف رب العالمين ، فإن عطاءه كلام # 36 : 82 # - إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون - فسبحان من لا يقدر الخلق قدره ، لا إله غيره ولا رب سواه .

ل