ما جاء في حماية النبي حمى التوحيد
 

باب
( ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد ، وسد طرق الشرك )
حمايته صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد عما يشوبه من الأقوال والأعمال التي يضمحل معها التوحيد أو ينقص وكذا كثير في السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم كقوله : - لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله - وتقدم . وقوله : - إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله عز وجل - ونحو ذلك . ونهى عن التمادح وشدد القول فيه ، كقوله لمن مدح إنساناً : ويلك قطعت عنق صاحبك ... الحديث أخرجه أبو داود عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه : أن رجلاً أثنى على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : - قطعت عنق صاحبك ... ثلاثاً - وقال : - إذا لقيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب - أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه عن المقداد بن الأسود .
وفي هذا الحديث : نهى عن أن يقولوا : أنت سيدنا وقال : السيد الله تبارك وتعالى ونهاهم أن يقولوا : وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً وقال : لا يستجرينكم الشيطان .
وكذلك قوله في حديث أنس : - أن ناساً قالوا : يا رسول الله يا خيرنا وابن خيرنا - ... إلخ . كره صلى الله عليه وسلم أن يواجهوه بالمدح فيفضي بهم إلى الغلو . وأخبر صلى الله عليه وسلم أن مواجهة المادح للمدوح بمدحه ـ ولو بما هو فيه ـ من عمل الشيطان لما تفضي محبة المدح إليه من تعاظم الممدوح في نفسه وذلك ينافي كمال التوحيد فإن العبادة لا تقوم إلا بقطب رحاها الذي لا تدور إلا عليه ، وذلك غاية الذل في غاية المحبة ، وكمال الذل يقتضي الخضوع والخشية والاستكانة لله تعالى ، وأن لا يرى نفسه إلا في مقام الذم لها والمعاتبة لها في حق ربه ، وكذلك الحب لا تحصل غايته إلا إذا كا يحب ما يحبه الله ، ويكره ما يكرهه الله من الأقوال والأعمال والإرادات ، ومحبة المدح من العبد لنفسه تخالف ما يحبه الله منه والمادح يغره من نفسه فيكون آثماً ، فمقام العبودية يقتضي كراهة المدح رأساً ، والنهي عنه صيانة لهذا المقام ، فمتى أخلص العبد الذل لله والمحبة له خلصت أعماله وصحت ومتى أدخل عليها ما يشوبها من هذه الشوائب دخل على مقام العبودية بالنقص أو الفساد ، وإذا أداه المدح إلى التعاظم في نفسه والإعجاب بها وقع في أمر عظيم ينافي العبودية الخاصة كما في الحديث : - الكبرياء درائي والعظمة إزاري فمن نازعني شيئاً منهما عذبته - : وفي الحديث : - لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر- : وهذه الآفات قد تكون محبة المدح سبباً لها وسلماً إليها ، والعجب يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ، وأما المادح فقد يفضي به المدح إلى أن ينزل الممدوح منزلة لا يستحقها ، كما يوجد كثيراً في أشعارهم من الغلو الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وحذر أمته أن يقع منهم ، فقد وقع الكثير منه حتى صرحوا فيه بالشرك في الربوبية والإلهية والملك ، كما تقدمت الإشارة إلى شئ من ذلك . والنبي صلى الله عليه وسلم لما أكمل الله له مقام العبودية صار يكره أن يمدح ، صيانة لهذا المقام ، وأرشد الأمة إلى ترك ذلك نصحاً لهم ، وحماية لمقام التوحيد عن أن يدخله ما يفسده ، أو يضعفه من الشرك ووسائله : # 2 : 59 # - فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم - ورأو أن فعل ما نهاهم صلى الله عليه وسلم عن فعله قربة من أفضل القربات وحسنه من أعظم الحسنات !
وأما تسمية العبد بالسيد فاختلف العلماء في ذلك .
قال العلامة ابن القيم في بدائع الفوائد : اختلف الناس في جواز إطلاق السيد على البشر . فمنعه قوم ، ونقل عن مالك ، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له : يا سيدنا قال : السيد الله تبارك وتعالى وجوزه قوم ، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار : قوموا إلى سيدكم وهذا أصح من الحديث الأول . قال هؤلاء : السيد أحد ما يضاف إليه ، فلا يقال للتميمي سيد كندة ، ولا يقال الملك سيد البشر . قال : وعلى هذا فلا يجوز أن يطلق على الله هذا الاسم ، وفي هذا نظر ، فإن السيد إذا أطلق عليه تعالى فهو في منزلة المالك ، والمولى والرب . لا بمعنى الذي يطلق على المخلوق . انتهى .
قلت : فقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في معنى قول الله تعالى : # 6 : 164 # - قل أغير الله أبغي ربا - أي إلهاً وسيداً وقال في قول الله تعالى : - الله الصمد - أنه السيد الذي كمل في جميع أنواع السؤدد : وقال أبو وائل : هو السيد الذي انتهى سؤدده . وأما استدلالهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار قوموا إلى سيدكم فالظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يواجه سعداً به ، فيكون في هذا المقام تفضيل والله أعلم .