الإيمان بما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله بلا تمثيل ولا تعطيل
 

وقوله تعالى : # 41 : 42 # - تنزيل من حكيم حميد - وقوله: # 45 : 2 # - تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم - وقوله تعالى : # 40 : 36 ، 37 # - وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا - . انتهى كلامه رحمه الله .
قلت : وقد ذكر الأئمة رحمهم الله تعالى فيما صنفوه في الرد على نقاة الصفات من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة ونحوهم أقوال الصحابة والتابعين . فمن ذلك ما رواه الحافظ الذهبي في كتاب العلو وغيره بالأسانيد الصحيحة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت في قوله تعالى : - الرحمن على العرش استوى - قالت : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإقرار به إيمان ، والجحود به كفر رواه ابن المنذر واللالكائي وغيرهما بأسانيد صحاح . قال : وثبت عن سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى أنه قال : لما سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن : كيف الاستواء ، قال : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، ومن الله الرسالة ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التصديق . وقال ابن وهب : كنا عند مالك فدخل رجل فقال : يا أبا عبد الله - الرحمن على العرش استوى - كيف استوى ؟ فأطرق مالك رحمه الله وأخذته الرحضاء وقال : الرحمن على العرش استوى ، كما وصف نفسه ولا يقال كيف ؟ و كيف عنه مرفوع ، وأنت صاحب بدعة . أخرجوه رواه البيهقي بإسناد صحيح عن ابن وهب ، ورواه عن يحيى بن يحيى أيضاً ، ولفظه قال : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة .
قال الذهبي : فانظر إليهم كيف أثبتوا الاستواء لله ، وأخبروا أنه معلوم لا يحتاج لفظه إلى تفسير ، ونفوا عنه الكيفية ، قال البخاري في صحيحه : قال مجاهد استوى علا على العرش . وقال إسحاق بن راهويه سمعت غير واحد من المفسرين يقول : - الرحمن على العرش استوى - أي ارتفع . وقال محمد ابن جرير الطبري في قوله تعالى : - الرحمن على العرش استوى - أي علا وارتفع .
وشواهده في أقوال الصحابة والتابعين وأتباعهم ، فمن ذلك قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه :
شهدت بأن وعد الله حق وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة شداد ملائكة الإله مسومينا
وروى الدارمى والحاكم والبيهقي بأصح إسناد إلى علي بن الحسين بن شقيق ، قال : سمعت عبد الله بن المبارك يقول : نعرف ربنا بأنه فوق سبع سماواته على العرش استوى ، بائن في خلقه ، ولا نقول كما قال الجهمية قال الدارمي : حدثنا الحسن بن الصباح البزار حدثنا علي بن الحسين بن شقيق عن ابن المبارك : قيل له : كيف نعرف ربنا ؟ قال : بأنه فوق السماء السابعة على العرش بائن من خلفه .
وقد تقدم قول الأوزاعي : كنا ـ والتابعون متوافرون ـ نقول : إن الله تعالى ذكره بائن من خلقه ، ونؤمن بما وردت به السنة .
وقال أبو عمر الطلمنكي في كتاب الأصول : أجمع المسلون من أهل السنة على أن الله استوى على عرشه بذاته . وقال في هذا الكتاب أيضاً : أجمع أهل السنة على أن الله تعالى استوى على عرشه على الحقيقة لا على المجاز ، ثم ساق بسنده عن مالك قوله : الله في السماء وعلمه في كل مكان : ثم قال في هذا الكتاب : أجمع المسلمون من أهل السنة أن معنى قوله : - وهو معكم أين ما كنتم - ونحو ذلك من القرآن : أن ذلك علمه ، وأن الله فوق السماوات بذاته مستو على عرشه كيف شاء . وهذا لفظه في كتابه .
وهذا كثير في كلام الصحابة والتابعين والأئمة ، أثبتوا ما أثبته الله في كتابه على لسان رسوله على الحقيقة على ما يليق بجلال الله وعظمته ، ونفوا عنه مشابهة المخلوقين ، ولم يمثلوا ولم يكيفوا ، كما ذكرنا ذلك عنهم في هذا الباب .
وقال الحافظ الذهبي : وأول وقت سمعت مقالة من أنكر أن الله فوق عرشه : هو الجعد بن درهم . وكذلك أنكر جميع الصفات . وقتله خالد بن عبد الله القسري وقصته مشهورة ، فأخذ هذه المقالة عنه الجهم بن صفوان إمام الجهمية ، فأظهرها واحتج لها بالشبهات ، وكان ذلك في آخر عصر التابعين فأنكر مقالته أئمة ذلك العصر مثل الأوزاعي وأبي حنيفة ، ومالك والليث بن سعد والثوري ، وحماد بن زيد ، وحماد بن سلمة وابن المبارك ومن بعدهم من أئمة الهدى . فقال الأوزاعي إمام أهل الشام على رأس الخمسين ومائة عند ظهور هذه المقالة : ما أخبرنا عبد الواسع الأبهري بسنده إلى أبي بكر البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني محمد بن علي الجوهري ـ ببغداد ـ حدثنا إبراهيم بن الهيثم حدثنا محمد بن كثير المصيصي سمعت الأوزاعي يقول : كنا ـ والتابعون متوافرون ـ نقول : إن الله فوق عرشه . ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته . أخرجه البيهقي في الصفات ورواته أئمة ثقات .
وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : لله أسماء وصفات لا يسع أحداً ردها ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه كفر ، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل ، ونثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه ، كما نفى عن نفسه فقال : - ليس كمثله شيء وهو السميع البصير - ا هـ من فتح الباري .