( فصل في الحديث المنقطع)
 
قال الشيخ الامام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله ما وقع في صحيحي البخاري ومسلم مما صورته صورة المنقطع ليس ملتحقا بالمنقطع في خروجه من حيز الصحيح إلى حيز الضعيف ويسمى هذا النوع تعليقا سماه به الامام أبو الحسن الدار قطني ويذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين وكذا غيره من المغاربة وهو في كتاب البخاري كثير جدا وفي كتاب مسلم قليل جدا قال فاذا كان التعليق منهما بلفظ فيه جزم بأن من بينهما وبينه الانقطاع قد قال ذلك أو رواه واتصل الاسناد منه على الشرط مثل أن يقولا روى الزهري عن فلان ويسوقا اسناده الصحيح فحال الكتابين يوجب أن ذلك من الصحيح عندهما وكذلك ما روياه عمن ذكراه بلفظ مبهم لم يعرف به وأورداه أصلا محتجين به وذلك مثل حدثني بعض أصحابنا ونحو ذلك قال وذكر الحافظ أبو على الغساني الجياني أن الانقطاع وقع فيما رواه مسلم في كتابه في أربعة عشر موضعا أولها في التيمم قوله في حديث أبي الجهم وروى الليث بن سعد ثم قوله في كتاب
(1/16)

الصلاة فى باب الصلاة على النبى صلى الله عليه و سلم حدثنا صاحب لنا عن إسماعيل بن زكريا عن الاعمش وهذا فى رواية أبى العلاء بن ماهان وسلمت رواة أبى أحمد الجلودى من هذا فقال فيه مسلم حدثنا محمد بن بكار قال حدثنا إسماعيل بن زكريا ثم فى باب السكوت بين التكبير والقراءة قوله وحدثت عن يحيى بن حسان ويونس المؤدب ثم قوله فى كتاب الجنائز فى حديث عائشة رضى الله عنها فى خروج النبى صلى الله عليه و سلم إلى البقيع ليلا وحدثنى من سمع حجاجا الاعور واللفظ له قال حدثنا بن جريج وقوله فى باب الحوائج فى حديث عائشة رضى الله عنها حدثنى غير واحد من أصحابنا قالوا حدثنا إسماعيل بن أبى أويس وقوله في هذا الباب وروى الليث بن سعد قال حدثني جعفر بن ربيعة وذكر حديث كعب بن مالك في تقاضي بن أبي حدرد وقوله في باب احتكار الطعام في حديث معمر بن عبد الله العدوي حدثني بعض أصحابنا عن عمرو بن عون وقوله في صفة النبي صلى الله عليه و سلم وحدثت عن أبي اسامة وممن روى ذلك عنه ابراهيم بن سعيد الجوهري قال حدثنا أبو اسامة وذكر أبو علي أنه رواه أبو أحمد الجلودي عن محمد بن المسيب الارغيابي عن ابراهيم بن سعيد قال الشيخ وريناه من غير طريق أحمد عن محمد بن المسيب ورواه غير بن المسيب عن ابراهيم الجوهري وسنورد ذلك في موضعه ان شاء الله تعالى وقوله في آخر الفضائل في حديث بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أرأيتكم ليلتكم هذه ) رواية مسلم اياه موصولا عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه ثم قال حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي قال أخبرنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب ورواه الليث عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر كلاهما عن الزهري باسناد معمر كمثل حديثه وقول مسلم في آخر كتاب القدر في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ( لتركبن سنن من قبلكم ) حدثني عدة من أصحابنا عن سعيد بن أبي مريم وهذا قد وصله ابراهيم بن محمد بن سفيان عن محمد بن يحيى عن بن أبي أبي مريم قال الشيخ وانما أورده مسلم على وجه المتابعة والاستشهاد وقوله فيما سبق في الاستشهاد والمتابعة في حديث البراء بن عازب في الصلاة الوسطى بعد أن رواه موصولا ورواه الاشجعي عن سفيان الثوري إلى آخره وقوله أيضا في الرجم في المتابعة لما رواه موصولا من حديث أبي هريرة في الذي اعترف على نفسه بالزنى ورواه
(1/17)

الليث أيضا عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن بن شهاب بهذا الاسناد وقوله في كتاب الامارة في المتابعة لما رواه متصلا من حديث عوف بن مالك ( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ) ورواه معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد قال الشيخ وذكر أبو علي فيما رواه عندنا من كتابه في الرابع عشر حديث بن عمر ( أرأيتكم ليلتكم هذه ) المذكور في الفضائل وقد ذكره مرة أخرى فيسقط هذا من العدد ويسقط الحديث الثاني لكون الجلودي رواه عن مسلم موصولا وروايته هي المعتمدة المشهورة فهي اذا اثنا عشر لا أربعة عشر قال الشيخ وأخذ هذا عن أبي على أبو عبد الله المازري صاحب المعلم فأطلق أن هذا في الكتاب أحاديث مقطوعة في أربعة عشر موضعا وهذا يوهم خللا في ذلك وليس ذلك كذلك وليس شيء من هذا والحمد لله مخرجا لما وجد فيه من حيز الصحيح بل هي موصولة من جهات صحيحة لا سيما ما كان منها مذكورا على وجه المتابعة في نفس الكتاب وصلها فاكتفى بكون ذلك معروفا عند أهل الحديث كما انه روى عن جماعة من الضعفاء اعتمادا على كون ما رواه عنهم معروفا من رواية الثقات على ما سنرويه عنه فيما بعد ان شاء الله تعالى قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله وهكذا الأمر في تعليقات البخاري بألفاظ جازمة مثبتة على الصفة التي ذكرناها كمثل ما قال فيه قال فلان أو روى فلان أو ذكر فلان أو نحو ذلك ولم يصب أبو محمد بن حزم الظاهري حيث جعل مثل ذلك انقطاعا قادحا في الصحة واستروح إلى ذلك في تقرير مذهبه الفاسد في اباحة الملاهي وزعمه انه لم يصح في تحريمها حديث مجيبا عن حديث أبي عامر أو أبى مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ( ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف ) إلى آخر الحديث فزعم أنه وان أخرجه البخاري فهو غير صحيح لان البخاري قال فيه قال هشام بن عمار وساقه باسناده فهو منقطع فيما بين البخاري وهشام وهذا خطأ من بن حزم من وجوه أحدها أنه لا انقطاع في هذا أصلا من جهة أن البخارى لقى هشاما وسمع منه وقد قررنا فى كتابنا علوم الحديث أنه اذا تحقق اللقاء والسماع مع السلامة من التدليس حمل ما يرويه عنه على السماع بأى لفظ كان كما يحمل قول الصحابى قال رسول الله صلى الله عليه و سلم على سماعه منه اذا لم يظهر خلافه وكذا غير قال من الالفاظ الثانى أن هذا الحديث بعينه معروف الاتصال بصريح لفظه من غير جهة البخارى الثالث أنه إن كان ذلك انقطاعا فمثل ذلك فى الكتابين غير ملحق بالانقطاع القادح لما عرف
(1/18)

من عادتهما وشرطهما وذكرهما ذلك فى كتاب موضوع لذكر الصحيح خاصة فلن يستجيرا فيه الجزم المذكور من غير ثبت وثبوت بخلاف الانقطاع أو الارسال الصادر من غيرهما هذا كله فى المعلق بلفظ الجزم أما اذا لم يكن ذلك منهما بلفظ جازم مثبت له عمن ذاكره عنه على الصفة التى تقدم ذكرها مثل أن يقولا روى عن فلان أو ذكر عن فلان أو في الباب عن فلان ونحو ذلك فليس ذلك في حكم التعليق الذي ذكرناه ولكن يستأنس بإيرادهما له وأما قول مسلم في خطبة كتابه وقد ذكر عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ان ننزل الناس منازلهم ) فهذا بالنظر إلى أن لفظه ليس جازما لا يقتضي حكمه بصحته وبالنظر إلى أنه احتج به وأورده ايراد الاصول لا ايراد الشواهد يقتضى حكمه بصحته ومع ذلك فقد حكم الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتابه كتاب معرفة علوم الحديث بصحته وأخرجه أبو داود في سننه باسناده منفردا به وذكر أن الراوي له عن عائشة ميمون بن أبي شبيب ولم يدركها قال الشيخ وفيما قاله أبو داود نظر فانه كوفى متقدم قد أدرك المغيرة بن شعبة ومات المغيرة قبل عائشة وعند مسلم التعاصر مع امكان التلاقي كاف في ثبوت الادراك فلو ورد عن ميمون أنه قال لم ألق عائشة استقام لابي داود الجزم بعدم ادراكه وهيهات ذلك هذا آخر كلام الشيخ قلت وحديث عائشة هذا قد رواه البزار في مسنده وقال هذا الحديث لا يعلم عن النبي صلى الله عليه و سلم الا من هذا الوجه وقد روى عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفا والله أعلم