( فصل في صحة ما روى مسلم في كتابه)
 
قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله جميع ما حكم مسلم رحمه الله بصحته فى هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته والعلم النظرى حاصل بصحته فى نفس الأمر وهكذا ما حكم البخارى بصحته فى كتابه وذلك لان الأمة تلقت ذلك بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه فى الاجماع قال الشيخ والذى نختاره أن تلقى الأمة للخبر المنحط عن درجة التواتر بالقبول يوجب العلم النظرى بصدقه خلافا لبعض محققى الاصوليين حيث نفى ذلك بناء على أنه لا يفيد فى حق كل منهم الا الظن وانما قبله لانه يجب عليه العمل بالظن والظن قد يخطىء قال الشيخ وهذا مندفع لان ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطىء والامة في اجماعها معصومة من الخطأ وقد قال امام الحرمين لو حلف انسان بطلاق امرأته أن ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته من قول النبي صلى الله عليه و سلم لما ألزمته الطلاق ولا حنثته لاجماع علماء المسلمين
(1/19)

على صحتها قال الشيخ ولقائل أن يقول انه لا يحنث ولو لم يجمع المسلمون على صحتها للشك في الحنث فانه لو حلف بذلك في حديث ليست هذه صفته لم يحنث وان كان راويه فاسقا فعدم الحنث حاصل قبل الاجماع فلا يضاف إلى الاجماع قال الشيخ والجواب أن المضاف إلى الاجماع هو القطع بعدم الحنث ظاهرا وباطنا وأما عند الشك فعدم الحنث محكوم به ظاهرا مع احتمال وجوده باطنا فعلى هذا يحمل كلام امام الحرمين فهو اللائق بتحقيقه فاذا علم هذا فما أخذ على البخاري ومسلم وقدح فيه معتمد من الحفاظ فهو مستنثى مما ذكرناه لعدم الاجماع على تلقيه بالقبول وما ذلك الا في مواضع قليلة سننبة على ما وقع في هذا الكتاب منها ان شاء الله تعالى وهذا آخر ما ذكره الشيخ أبو عمرو رحمه الله هنا وقال في جزء له ما اتفق البخاري ومسلم على اخراجه فهو مقطوع بصدق مخبره ثابت يقينا لتلقى الأمة ذلك بالقبول وذلك يفيد العلم النظري وهو في افادة العلم كالمتواتر الا أن المتواتر يفيد العلم الضروري وتلقى الامة بالقبول يفيد العلم النظري وقد اتفقت الأمة على أن ما اتفق البخاري ومسلم على صحته فهو حق وصدق قال الشيخ في علوم الحديث وقد كنت أميل إلى أن ما اتفقنا عليه فهو مظنون وأحسبه مذهبا قويا وقد بان لي الآن أنه ليس كذلك وان الصواب أنه يفيد العلم وهذا الذي ذكره الشيخ في هذه المواضع خلاف ما قاله المحققون والاكثرون فانهم قالوا أحاديث الصحيحين التي ليست بمتواترة انما تفيد الظن فإنها آحاد والآحاد انما تفيد الظن على ما تقرر ولا فرق بين البخاري ومسلم وغيرهما في ذلك وتلقى الأمة بالقبول انما أفادنا وجوب العمل بما فيهما وهذا متفق عليه فان أخبار الآحاد التي في غيرهما يجب العمل بها اذا صحت أسانيدها ولا تفيد الا الظن فكذا الصحيحان وانما يفترق الصحيحان وغيرهما من الكتب في كون ما فيهما صحيحا لا يحتاج إلى النظر فيه بل يجب العمل به مطلقا وما كان في غيرهم لا يعمل به حتى ينظر وتوجد فيه شروط الصحيح ولا يلزم من اجماع الأمة على العمل بما فيهما اجماعهم على أنه مقطوع بأنه كلام النبي صلى الله عليه و سلم وقد اشتد انكار بن برهان الامام على من قال بما قاله الشيخ وبالغ في تغليطه وأما ما قاله الشيخ رحمه الله في تأويل كلام امام الحرمين في عدم الحنث فهو بناء على ما اختاره الشيخ وأما على مذهب الاكثرين فيحتمل أنه أراد أنه لا يحنث ظاهرا ولا يستحب له التزام الحنث حتى تستحب له الرجعة كما لو حلف بمثل ذلك في غير الصحيحين فانا لا نحنثه لكن
(1/20)

تستحب له الرجعة احتياطا لاحتمال الحنث وهو ظاهر وأما الصحيحان فاحتمال الحنث فيهما في غاية من الضعف فلا تستحب له المراجعة لضعف احتمال موجبها والله أعلم